الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
الْعِدَدُ ثَلاَثٌ: إمَّا مِنْ طَلاَقٍ فِي نِكَاحٍ وَطِئَهَا فِيهِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ فَأَكْثَرَ. وَأَمَّا مِنْ وَفَاةٍ، سَوَاءٌ وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا. وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَفِرَاقَ زَوْجِهَا فَإِنَّ هَذِهِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ وُجُوهِ الْفَسْخِ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَمَّا سَائِرُ وُجُوهِ الْفَسْخِ، وَاَلَّتِي لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا فَلاَ عِدَّةَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَلَهُنَّ أَنْ يُنْكَحْنَ: سَاعَةَ الْفَسْخِ، وَسَاعَةَ الطَّلاَقِ. برهان ذَلِكَ: أَنَّ عِدَّةَ الطَّلاَقِ، وَالْوَفَاةِ: مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَكَذَلِكَ سُقُوطُ الْمَسْقُوطَةِ الْعِدَّةِ عَنْ الَّتِي طَلُقَتْ وَلَمْ يَطَأْهَا الْمُطَلِّقُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ. وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ تَخْتَارُ فَسْخَ نِكَاحِهَا: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ اسْمُهُ مُغِيثٌ فَخَيَّرَهَا يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهَا تَعْتَدُّ. قال أبو محمد: فَلَوْ كَانَتْ عِدَّةٌ غَيْرَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ لَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَ شَكٍّ، وَإِنَّمَا قلنا: إنَّهَا عِدَّةُ الطَّلاَقِ ; لأََنَّهَا عِدَّةٌ مِنْ حَيٍّ لاَ مِنْ مَيِّتٍ فَصَحَّ إذْ أَمَرَهَا عليه الصلاة والسلام بِأَنْ تَعْتَدَّ مِنْ فِرَاقِهَا لَهُ وَهُوَ حَيٌّ أَنَّهَا الْعِدَّةُ مِنْ مُفَارَقَةِ الْحَيِّ بِلاَ شَكٍّ. وَأَمَّا سَائِرُ وُجُوهِ الْفَسْخِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ: فَلاَ عِدَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ حُجَّةٌ فِيمَا سِوَاهُمَا. وَلاَ يَكُونُ طَلاَقٌ إِلاَّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَكَذَلِكَ لاَ عِدَّةَ مِنْ وَفَاةِ مَنْ لَيْسَ عَقْدُ زَوَاجِهِ صَحِيحًا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ عِدَّةَ طَلاَقٍ لَهُ، أَوْ وَفَاةٍ، إِلاَّ مِنْ زَوْجٍ، وَمَنْ عَقْدُهُ فَاسِدٌ لَيْسَ زَوْجًا، فَلاَ طَلاَقَ لَهُ، وَإِذْ لاَ طَلاَقَ لَهُ فَلاَ عِدَّةَ مِنْ فِرَاقِهِ، وَإِذْ لَيْسَ زَوْجًا فَلاَ عِدَّةَ مِنْ وَفَاتِهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا كُلَّ فَسْخٍ عَلَى الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا. قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لأََنَّ جَمِيعَ وُجُوهِ الْفَسْخِ لاَ خِيَارَ فِيهِ لِلْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا إِلاَّ الْمُعْتَقَةَ فَقَدْ أَجْمَعُوا بِلاَ خِلاَفٍ عَلَى مُفَارَقَةِ حُكْمِهَا لِحُكْمِ سَائِرِ الْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهُنَّ، وَالْعِدَّةُ الْوَاجِبَةُ إنَّمَا هِيَ حُكْمٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا لأَسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ. برهان ذَلِكَ: أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذَا لاَ يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ الْعِدَّةَ: عَلَى الصَّغِيرَةِ الْمَوْطُوءَةِ أَيْ الَّتِي لاَ تَحْمِلُ، وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لاَ تَحْمِلُ: فِي الطَّلاَقِ وَالْوَفَاةِ، وَلَوْ خَالَفُونَا فِي الطَّلاَقِ فِي الصَّغِيرَةِ لَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْخَصِيَّ الَّذِي بَقِيَ لَهُ مِنْ الذَّكَرِ مَا يُولِجُ، فَإِنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْعِدَّةَ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ لاَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ أَبَدًا. وَكَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ مَرَّةً، ثُمَّ غَابَ عَنْهَا عَشْرَاتِ السِّنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنَّ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهَا لاَ حَمْلَ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ خَوْفَ الْحَمْلِ لاََجْزَأَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي تَحِيضُ ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ وَهِيَ بَقِيَّةُ الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ وَلَوْ أَنَّهَا سَاعَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ ثُمَّ الْحَيْضَةُ الَّتِي تَلِي بَقِيَّةَ ذَلِكَ الطُّهْرِ، ثُمَّ طُهْرٍ ثَانِي كَامِلٍ، ثُمَّ الْحَيْضَةُ الَّتِي تَلِيهِ، ثُمَّ طُهْرٍ ثَالِثٍ كَامِلٍ: فَإِذَا رَأَتْ أَثَرَهُ أَوَّلَ شَيْءٍ مِنْ الْحَيْضِ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ حِينَئِذٍ إنْ شَاءَتْ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ كَمَا قلنا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الأَقْرَاءُ الْحَيْضُ مَعَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى الطَّاعَةِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: الْقُرُوءُ جَمْعُ " قُرْءٍ " وَالْقُرْءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ: يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَيَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ، وَيَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ: أَنَا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحَّاسِ النَّحْوِيُّ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ أَنَا أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلاَءِ يَقُولُ فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَا وَقَالَ الأَعْشَى: أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ تَشُدُّ لأََقْصَاهَا غَرِيمَ عَزَائِكَا مُورِثَةٍ مَالاً وَفِي الأَصْلِ رِفْعَةٌ لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا فَأَرَادَ الأَطْهَارَ وَقَالَ آخَرُ: يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَى قَارِضٍ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ فَأَرَادَ الْحَيْضَ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا جَمَاعَةٌ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إذَا دَخَلَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا. وبه إلى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ نَصًّا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَبِهِ يَأْخُذُ الزُّهْرِيُّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ نَصًّا وَهُوَ قَوْلُ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلاَءِ: إذَا رَأَتْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا، وَلاَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا حَاضَتْ الثَّالِثَةَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَطْهُرَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ قَالَ يَحْيَى فَقُلْت لَهُ: أَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ: لاَ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَتَوَقَّفَتْ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فَلَمَّا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مَاتَ فَطَلَبَتْ مِيرَاثَهُ، فَأُتِيَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ فِي ذَلِكَ إلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ: فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمًا. وَاضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: فَمَرَّةً قَالَ: الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ وَمَرَّةً قَالَ: الأَقْرَاءُ الْحَيْضُ، وَمَرَّةً تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُ بِأَنَّهَا الْحَيْضُ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ رَجْعَةٌ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْهَا فَلاَ رَجْعَةَ عَلَيْهَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُوس قَالَ: يُرَاجِعُهَا مَا كَانَتْ فِي الدَّمِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَتْ فِي الدَّمِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلاَثُ حِيَضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: إذَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مَعَ رَجُلٍ فَقَالَتْ: طَلَّقَنِي ثُمَّ تَرَكَنِي حَتَّى إذَا كُنْت فِي آخِرِ ثَلاَثِ حِيَضٍ وَانْقَطَعَ عَنِّي الدَّمُ وَضَعْت غُسْلِي وَنَزَعْت ثِيَابِي فَقَرَعَ الْبَابَ وَقَالَ: قَدْ رَاجَعْتُك فَقَالَ عُمَرُ لأَبْنِ مَسْعُودٍ: مَا تَقُولُ فِيهَا فَقَالَ: أَرَاهُ أَحَقُّ بِهَا مَا دُونَ أَنْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: نِعْمَ مَا رَأَيْت، وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَتَحِلُّ لَهَا الصَّلاَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ رَاجَعَهَا فَاخْتَصَمَا إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَاسْتَحْلَفَهُمَا بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ حَلَّتْ لَهَا الصَّلاَةُ فَأَبَتْ أَنْ تَحْلِفَ، فَرَدَّهَا إلَيْهِ وَصَحَّ مِثْلُهُ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَرْسَلَ عُثْمَانُ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: أَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ، وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ قَالَ: فَمَا أَعْلَمُ عُثْمَانَ إِلاَّ أَخَذَ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيِّرُ، فَالْخَيِّرُ: مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ: لاَ تَبِينُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ وَصَحَّ هَذَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ. وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي: إنْ فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا. قال أبو محمد: هَذَا ظَاهِرُ مَا رُوِّينَا عَنْ الصَّحَابَةِ آنِفًا نَعْنِي الْقَائِلِينَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إِلاَّ أَنْ تَرَى الطُّهْرَ ثُمَّ تُؤَخِّرُ اغْتِسَالَهَا حَتَّى تَفُوتَهَا تِلْكَ الصَّلاَةُ، فَإِنْ فَعَلَتْ فَقَدْ بَانَتْ حِينَئِذٍ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ: إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَبِتَمَامِهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَلاَ تَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ، رَأَتْ الطُّهْرَ أَوْ لَمْ تَرَهُ. قَالُوا: وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَبِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَتَحِلُّ لِلأَزْوَاجِ كَانَتْ عِدَّتُهَا عَشَرًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرٍ، اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ. قَالُوا: وَأَمَّا الْمُسْلِمَةُ الَّتِي حَيْضُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ كُلُّهَا وَلَوْ لَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ الْغُسْلِ إِلاَّ عُضْوٌ وَاحِدٌ كَامِلٌ. قَالُوا: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ لَهَا عُضْوٌ كَامِلٌ لَمْ تَغْسِلْ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ قَالُوا: وَلَكِنْ نَدَعُ الْقِيَاسَ، وَنَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَنْ تَغْسِلَ إِلاَّ بَعْضَ عُضْوٍ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ. وَلأََبِي حَنِيفَةَ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْعُضْوِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا، فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْهُ قَدْرُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلاَ يَحِلُّ لَهَا الزَّوَاجُ حَتَّى تَغْسِلَ تِلْكَ اللُّمْعَةَ. قَالَ: فَلَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مُسَافِرَةٌ لاَ مَاءَ مَعَهَا فَتَيَمَّمَتْ، فَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تُصَلِّ. قَالَ: فَلَوْ وَجَدَتْ مَاءً قَدْ شَرِبَ مِنْهُ حِمَارٌ وَلَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ فَاغْتَسَلَتْ بِهِ، أَوْ تَيَمَّمَتْ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلاَ يَحِلُّ مَعَ ذَلِكَ لَهَا الزَّوَاجُ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ تَحْدِيدُ مَنْ حَدَّ انْقِطَاعَ الْعِدَّةِ بِأَنْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ صَلاَةٍ فَلاَ تَغْتَسِلُ ; لأََنَّهُ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ حَتَّى تَغْسِلَ فَرْجَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا. وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ بِطُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا. وَهُوَ قَوْلُنَا، فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ. قال أبو محمد: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّنِّ الَّذِي أَخْبَرَ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، مَا لَمْ يَأْتِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام لاَ سِيَّمَا وَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ رَأْيٌ رَأَيَاهُ لاَ عَنْ أَثَرٍ عِنْدَهُمَا قَالاَهُ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلاَ يَفْرَحُ الْحَنَفِيُّونَ بِهَذَا الشَّغَبِ، فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِلصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ ; لأََنَّ الثَّابِتَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ، وَهُمْ يَقْطَعُونَ عَنْهُ الرَّجْعَةَ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ إذَا بَقِيَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ أَعْضَاءِ جَسَدِهَا وَلَوْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ. قال أبو محمد: وَقَدْ خَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا هَذَا مَنْ رَأَى مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ بِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا بِلاَ شَكٍّ إذْ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الأَقْرَاءُ الْحِيَضُ، فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُرْءُ الطُّهْرَ لَكَانَتْ الْعِدَّةُ قُرْأَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ قُرْءٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ ثَلاَثَ قُرُوءٍ. فَصَحَّ أَنَّهَا الْحِيَضُ الَّتِي تُسْتَوْفَى ثَلاَثٌ مِنْهَا كَامِلَةٌ. قال أبو محمد: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَعْضُ الْقُرْءِ قُرْءٌ بِلاَ شَكٍّ، وَبَعْضُ الْحَيْضِ حَيْضٌ. قال أبو محمد وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: طَلاَقُ الأَمَةِ طَلْقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ. وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي غَسَّانَ أَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا ابْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الأَحْمَسِيُّ أَنَا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طَلاَقُ الأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ. قال أبو محمد: هَذَانِ خَبَرَانِ سَاقِطَانِ لاَ يَجُوزُ الأَحْتِجَاجُ بِهِمَا ; لأََنَّ مُظَاهِرَ بْنَ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ، وَعَطِيَّةُ ضَعِيفَانِ لاَ يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَلَوْ صَحَّ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا لَمَا خَالَفْنَاهُ. قال أبو محمد: فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ: إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلاَ تُصَلِّي وَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ تَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مِنْ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ وَالْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلاَةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا وَحَيْضَتِهَا. قلنا: لَمْ نُنْكِرْ أَنَّ الْحَيْضَ يُسَمَّى قُرْءًا، كَمَا أَنَّكُمْ لاَ تُنْكِرُونَ أَنَّ الطُّهْرَ يُسَمَّى قُرْءًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفْنَا فِي أَيِّ ذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ قوله تعالى: فَقُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ مِنْ حُكْمِكُمْ وَبِنَائِكُمْ عَلَى مُقَدَّمَةٍ صَحِيحَةٍ وَنَعَمْ، إنَّ الطَّلاَقَ إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالطَّلاَقِ فِي اسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ الَّتِي هِيَ الأَقْرَاءُ الْحِيَضَ، لَكَانَ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَبَيْنَ أَوَّلِ الْعِدَّةِ مُدَّةٌ لَيْسَتْ فِيهَا مُعْتَدَّةً، وَهَذَا بَاطِلٌ. قال أبو محمد: فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ وَبَقِيَ قَوْلُنَا فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ بِهِ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ. فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الطُّهْرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ فَصَحَّ أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ فَرْضًا إثْرَ الطَّلاَقِ بِلاَ مُهْلَةٍ فَصَحَّ أَنَّهَا الطُّهْرُ الْمُتَّصِلُ بِالطَّلاَقِ، لاَ الْحَيْضُ الَّذِي لاَ يَتَّصِلُ بِالطَّلاَقِ. وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الْحَيْضَ لَوَجَبَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ فِيمَنْ طَلَّقَ حَائِضًا أَنْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ قُرْءًا وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ الْحَسَنُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِهَا مِنْ أَقْرَائِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ: وَحَدَّثَنِي قَتَادَةُ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالاَ جَمِيعًا: لاَ تَعْتَدُّ بِهَا. قال أبو محمد: وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ كَانَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى، فَالأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ أَمْ الْحِيَضُ فَإِنَّ قَوْلَنَا يَقْتَضِيهِمَا جَمِيعًا ; لأََنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ فِي الطُّهْرِ فَهُوَ قُرْءٌ، ثُمَّ الطُّهْرِ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثِ، وَبَيْنَ الطُّهْرِ الأَوَّلِ وَالثَّانِي حَيْضٌ، ثُمَّ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ حَيْضٌ، ثُمَّ دُفْعَةُ حَيْضِ آخِرِ الثَّلاَثِ. وَقَدْ قلنا: إنَّ بَعْضَ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَبَعْضَ الطُّهْرِ طُهْرٌ، وَبَعْضَ الْقُرْءِ قُرْءٌ، فَهِيَ ثَلاَثَةُ أَقْرَاءٍ بِكُلِّ حَالٍ وَبِقَوْلِ الْحَسَنُ نَقُولُ إنْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا وَهِيَ حَائِضٌ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، ثُمَّ بِالطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا، ثُمَّ بِالْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ بِالطُّهْرِ الثَّانِي، ثُمَّ بِالْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْهَا فَهُوَ طُهْرٌ ثَالِثٌ حَلَّتْ بِهِ لِلأَزْوَاجِ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي عِدَّةِ الأَمَةِ الَّتِي تُعْتَقُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا إنْ كَانَتْ حِينَ ذَلِكَ حَائِضًا، وَلاَ فَرْقَ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، وَفِي الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا أَنَّهُمَا يَعْتَدَّانِ بِذَلِكَ الطُّهْرِ قُرْءًا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا لاَ تَعْتَدُّ بِهِ، لَكِنْ بِثَلاَثَةِ أَقْرَاءٍ مُسْتَأْنَفَةٍ.
فَإِنْ أَتْبَعَهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا طَلاَقًا بَائِنًا، وَلَمْ تَكُنْ عِدَّتُهَا تِلْكَ مِنْ طَلاَقِ ثَلاَثٍ مَجْمُوعَةٍ، وَلاَ مِنْ طَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ثِنْتَيْنِ ثَالِثَةً فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ أَيْضًا، وَلاَ بُدَّ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا فَوَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا تَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ، وَلاَ بُدَّ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَخِلاَسَ بْنَ عَمْرٍو، قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الْعِدَّةِ: تَعْتَدُّ مِنْ الطَّلاَقِ الآخَرِ ثَلاَثَ حِيَضٍ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلاَقِ الأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَأَبِي قِلاَبَةَ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ. قال أبو محمد: وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَأَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فِي الَّتِي يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ يُطَلِّقُ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا: أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ وقال الشافعي مَرَّةً: تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلاَقِ الأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ أَصْلاً، وَلاَ مُتَعَلَّقَ لِهَذِهِ الطَّوَائِفِ فِيمَا جَاءَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ ; لأََنَّهُ خَبَرٌ: حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَا حَفْصٌ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ أَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: طَلاَقُ السُّنَّةِ يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً وَهِيَ طَاهِرَةٌ فِي غَيْر جِمَاعٍ، فَإِذَا جَاءَ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى، ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْضَةٍ. قَالَ الأَعْمَشُ فَسَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. قال أبو محمد: كُلُّ هَؤُلاَءِ الطَّوَائِفِ مُخَالِفُونَ لِمَا صَحَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَاهُنَا أَنَّهُ السُّنَّةُ ; لأََنَّهُمْ كُلُّهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يُتْبِعَهَا طَلاَقًا فِي الْعِدَّةِ، وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لاَ يَرَوْنَ الْحَيْضَ عِدَّةً. وَلاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ: هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَاهُنَا أَنَّهُ السُّنَّةُ. قال أبو محمد: وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِيمَا عَدَا نَصِّ قُرْآنٍ وَسُنَّةٍ ثَبَتَ حُكْمُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَحُجَّتُنَا لِقَوْلِنَا هَاهُنَا: هُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَسْقَطَ الْعِدَّةَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ فَقَطْ، وَأَوْجَبَهَا عَلَى الْمَطْقَةِ الْمَمْسُوسَةِ. وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ طَلَّقَ أَنْ يُطَلِّقَ لِلْعِدَّةِ، وَجَعَلَ الْعِدَّةَ عَلَى الَّتِي تَحِيضُ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ. وَعَلَى الَّتِي لاَ تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَحَكَمَ تَعَالَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهُ: يَتَوَارَثَانِ، وَيَلْحَقُهَا طَلاَقُهُ، فَهُوَ إذَا طَلَّقَهَا ثَانِيَةً: مُطَلِّقٌ امْرَأَتَهُ الْمَوْطُوءَةَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ بِلاَ شَكٍّ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ إثْرِهِ بِلاَ فَصْلٍ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ الْعِدَّةِ قَبْلَ الطَّلاَقِ، كَمَا مِنْ الْبَاطِلِ طَلاَقُ مَوْطُوءَةٍ بِلاَ عِدَّةٍ. أَوْ طَلاَقُ مَوْطُوءَةٍ يَكُونُ قُرْءًا وَاحِدًا أَوْ قُرْأَيْنِ، وَلاَ بُدَّ لِمُخَالِفِينَا هَاهُنَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلاَثَةِ وَهِيَ كُلُّهَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ. وَكَذَلِكَ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَبْنِيَ الْمُرْتَجَعَةُ عَلَى عِدَّةٍ قَدْ بَطَلَتْ بِالرَّجْعَةِ، إذْ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ مُرْتَجَعَةً، وَهِيَ بَعْدَ الأَرْتِجَاعِ فِي الْعِدَّةِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ حَامِلاً مِنْ الَّذِي طَلَّقَهَا أَوْ مِنْ زِنًى أَوْ بِإِكْرَاهٍ فَعِدَّتُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا وَلَوْ إثْرَ طَلاَقِ زَوْجِهَا لَهَا بِسَاعَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ آخِرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا، فَإِذَا وَضَعَتْهُ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ أَسْقَطَتْهُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ. وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقَةُ وَهِيَ حَامِلٌ تَتَخَيَّرُ فِرَاقَ زَوْجِهَا، وَلاَ فَرْقَ. وَكَذَلِكَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، أَوْ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ فَإِنَّ عِدَّتُهَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ آخِرِ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا وَلَوْ وَضَعَتْهُ إثْرَ مَوْتِ زَوْجِهَا وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ شَاءَتْ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْهُ، وَلاَ فَرْقَ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: فَاحْتَمَلَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ هَذِهِ مِنْ الْأُولَى فَيَكُونُ الْمُرَادُ: وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ إِلاَّ اللَّوَاتِي لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَهُنَّ حَوَامِلُ مِنْكُمْ مِنْ تَشْفِيرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ. وَاحْتَمَلَ أَنْ تُسْتَثْنَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا إِلاَّ أَنْ يَكُنَّ حَوَامِلَ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ، فَوَاجِبٌ أَنْ نَنْظُرَ أَيَّ الأَسْتِعْمَالَيْنِ، أَوْ أَيَّ الأَسْتِثْنَاءَيْنِ هُوَ الْحَقُّ إذْ قَدْ ضَمِنَ عَزَّ وَجَلَّ بَيَانَ ذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ إلَيْنَا مِنْ شَرَائِعِهِ: فَوَجَدْنَا خَبَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي طَلاَقِ امْرَأَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الطَّلاَقِ فِي كِتَابِنَا هَذَا " بِإِسْنَادِهِ. فَوَجَدْنَا فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُرْهُ: فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلاً مِنْهُ. وَفِيهِ أَيْضًا إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ. قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّ طَلاَقَ الْحَامِلِ جَائِزٌ عُمُومًا، إذْ هَذَا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام تَعْلِيمٌ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ; لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَخُصَّ حَامِلاً مِنْ حَامِلٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ هُوَ قُبُلُ عِدَّتِهَا، فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ هَذَا الْحُكْمُ إِلاَّ بِيَقِينٍ، وَلاَ يَقِينَ فِي سُقُوطِهِ إِلاَّ فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَيْسَتْ حَامِلاً فَقَطْ. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَقَدْ وَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ، طَلاَقِهِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَيَتَوَارَثَانِ، وَيَلْحَقُهَا إيلاَؤُهُ، وَظِهَارُهُ، وَيُلاَعِنُهَا ; لقوله تعالى: وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا وَعِدَّتُهَا بِالأَقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ حَمَلَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِزِنًى أَوْ بِإِكْرَاهٍ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا إلَى وَضْعِ ذَلِكَ الْحَمْلِ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ فَحَمَلَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاتِهِ مِنْ زِنًى أَوْ إكْرَاهٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قوله تعالى: وَأَمَّا قَوْلُنَا " آخِرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا " فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: وَلِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَوْلٌ هَاهُنَا نَذْكُرُهُ لِيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سَامِعُهُ عَلَى السَّلاَمَةِ وَهُوَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْوَلَدِ النِّصْفُ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا، لاَ يَعُدُّ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ: فَخِذَاهُ، وَلاَ سَاقَاهُ، وَلاَ رِجْلاَهُ، وَلاَ رَأْسَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ قَالَ لأََمَتِهِ وَهِيَ تَلِدُ: أَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ قَدْ خَرَجَ نِصْفُهُ الَّذِي فِيهِ رَأْسُهُ فَهِيَ حُرَّةٌ وَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَ نِصْفُ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسَهُ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ، وَهِيَ حُرَّةٌ. رَوَى عَنْهُمَا ذَلِكَ جَمِيعًا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّاوِي فِي سَمَاعِهِ مِنْهُمَا. قال أبو محمد: فَلْيَعْجَبْ سَامِعُ هَذَا مِنْ هَذَا الأَخْتِلاَطِ أَتُرَاهُ الْبَائِسَ كَانَ مِنْ الْغَرَارَةِ بِحَيْثُ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ رَأْسُ الْمَوْلُودِ وَمَنْكِبَاهُ فَإِنَّهُ فِي أَسْرَعِ مِنْ كَرِّ الطَّرْفِ يَسْقُطُ كُلُّهُ، فَمَتَى يَتَفَرَّغُ لِتَكْسِيرِ صُلْبِ الْمَوْلُودِ وَمِسَاحَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَخَرَجَ نِصْفُهُ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ، وَأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ رَأْسُهُ وَمَنْكِبَاهُ فَإِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَتِمَّ قَوْلُهُ أَنْتِ حُرَّةٌ حَتَّى يَقَعَ جَمِيعُهُ. أَتُرَاهُ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّهَا الْمِسْكِينَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ " أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ ". إنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِنْ نِسْبَةِ مَنْ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْمَشِيمَةِ وَلَوْ شَيْءٌ فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَعْدُ ; لأََنَّهَا مِنْ حَمْلِهَا الْمُتَوَلِّدِ مَعَ الْوَلَدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ
فَإِنْ مَاتَ فِي بَطْنِهَا فَلاَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إِلاَّ بِطَرْحِ جَمِيعِهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ أُصْبُعٌ أَوْ بَعْضُهَا ; لأََنَّهَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَهُ فَلَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ لاَ تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ خِلْقَةٍ وَلَمْ تَكُنْ حَامِلاً وَكَانَ قَدْ وَطِئَهَا: فَعِدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ بُلُوغِ الطَّلاَقِ إلَيْهَا أَوْ إلَى أَهْلِهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وقال مالك: لاَ عِدَّةَ عَلَى الصَّغِيرَةِ جِدًّا. قال أبو محمد: وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ ; لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَوْ أَنَّهَا فِي الْمَهْدِ وَأَسْقَطَ عَنْهَا عِدَّةَ الطَّلاَقِ وَهِيَ مَوْطُوءَةٌ مُطَلَّقَةٌ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ مُنْتَهَى الصِّغَرِ الَّذِي أَسْقَطَ فِيهِ عَنْهَا عِدَّةَ الطَّلاَقِ مِنْ مَبْدَأِ وَقْتٍ أَلْزَمَهَا فِيهِ الْعِدَّةَ وَهَذَا تَلْبِيسٌ لاَ خَفَاءَ بِفَسَادِهِ، وَمَزْجٌ لِلْفَرْضِ بِمَا لَيْسَ فَرْضًا. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلاَ قَوْلِ سَلَفٍ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ. فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي اسْتِقْبَالِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ مَعَ تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ اعْتَدَّتْ حَتَّى يَظْهَرَ هِلاَلُ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، فَإِذَا ظَهَرَ حَلَّتْ مِنْ عِدَّتِهَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ سَبْعًا وَثَمَانِينَ لَيْلَةً بِمِثْلِهِنَّ مِنْ الأَيَّامِ كَمْلَى، إلَى مِثْلِ الْوَقْتِ الَّذِي لَزِمَتْهَا فِيهِ الْعِدَّةُ. وَلاَ يُلْغَى كَسْرُ الْيَوْمِ، وَلاَ كَسْرُ اللَّيْلَةِ ; لأََنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّلِ عِدَّتِهَا وَبَيْنَ وَقْتِ لُزُومِ الْعِدَّةِ لَهَا فَرْقٌ أَصْلاً، لاَ مَا قَلَّ، وَلاَ مَا كَثُرَ. فَإِذَا أَتَمَّتْ مَا ذَكَرْنَا حَلَّتْ ; لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " بِإِسْنَادِهِ. فإن قيل: إنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ بِيَقِينٍ فَلاَ تَخْرُجُ مِنْهَا إِلاَّ بِيَقِينٍ. قلنا: هَذَا وَضْعٌ فَاسِدٌ، لَكِنْ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ بِوَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَقِينٍ مِنْ قِبَلِ الْوَحْيِ الَّذِي ذَكَرْنَا لاَ بِيَقِينٍ مُطْلَقٍ مِنْ ظَنٍّ كَاذِبٍ، أَوْ قَوْلِ قَائِلٍ، فَلاَ نَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْيَقِينُ حَقًّا. وَقَدْ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ بِوَسْوَسَةٍ لاَ أَصْلَ لَهَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَقَدْ قلنا: إنْ أَسْقَطَتْ الْحَامِلُ الْمُطَلَّقَةُ، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ; أَوْ الْمُعْتَقَةُ الْمُتَخَيِّرَةُ فِرَاقَ زَوْجِهَا: حَلَّتْ. وَحَدُّ ذَلِكَ: أَنْ تُسْقِطَهُ عَلَقَةً فَصَاعِدًا، وَأَمَّا إنْ أَسْقَطَتْ نُطْفَةً دُونَ الْعَلَقَةِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لاَ تَنْقَضِي بِذَلِكَ عِدَّةٌ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالاَ جَمِيعًا: أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ،، وَوَكِيعٌ، قَالاَ جَمِيعًا: أَنَا الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ السَّرْحِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ أَنَّ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ أُسَيْدَ الْغِفَارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرَ. قال أبو محمد: مَعْنَاهُ خَلْقُ الْجُمْلَةِ الَّتِي تَنْقَسِمُ بَعْدَ ذَلِكَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَجِلْدًا وَلَحْمًا وَعِظَامًا فَصَحَّ أَنَّ أَوَّلَ خَلْقِ الْمَوْلُودِ كَوْنُهُ عَلَقَةً لاَ كَوْنُهُ نُطْفَةً، وَهِيَ الْمَاءُ. فَإِنْ طَلُقَتْ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ، سَوَاءٌ إثْرَ طَلاَقِهَا أَوْ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ: تَمَادَتْ عَلَى الْعِدَّةِ بِالشُّهُورِ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا حَلَّتْ وَلَمْ تَلْتَفِتْ إلَى الْحَيْضِ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَتْ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إثْرَ طَلاَقِهَا، أَوْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلاَثَةِ الأَشْهُرِ فَلَوْ مَاتَ هُوَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلاَثَةِ الأَشْهُرِ ابْتَدَأَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَامِلَةً. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقُرْءَ إنَّمَا هُوَ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مِنْ الطُّهْرِ، فَحَالُهَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ وَبَعْدَ الْيَأْسِ مِنْ الْمَحِيضِ لَيْسَ قُرْءًا فَبَطَلَ أَنْ تَعْتَدَّ بِالأَقْرَاءِ مَنْ لَمْ تَطْلُقْ فِي اسْتِقْبَالِ قُرْءٍ هِيَ فِيهِ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا مِنْهُ لاَحِقًا بِهِ ; لأََنَّهَا زَوْجَتُهُ بَعْدُ فَقَدْ قلنا: إنَّ وَطْأَهُ لَهَا لَيْسَ رَجْعَةً، وَلاَ طَلاَقًا فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ مِنْهُ. وَقَدْ ادَّعَى قَوْمٌ الْإِجْمَاعَ هَاهُنَا وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُمْ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى إيرَادِ كَلِمَةٍ فِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، إنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ ثَمَانِيَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ فَقَطْ: وَهُمْ: عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَعُدُّهُ إجْمَاعًا إِلاَّ مَنْ اسْتَجَازَ الْكَذِبَ عَلَى الْأُمَّةِ. قال أبو محمد: ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا النَّظَرَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الأَعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ قَدْ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضَ الْعِدَّةِ. وَصَحَّ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى الأَقْرَاءِ، أَوْ إلَى وَضْعِ الْحَمْلِ إنْ حَمَلَتْ. وَأَمَّا انْتِقَالُهَا إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ إنْ كَانَ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا فَقَطْ، وَإِلَّا فَلاَ ; فَلأََنَّهَا زَوْجَةٌ تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، فَهِيَ مُتَوَفًّى عَنْهَا فَيَلْزَمُهَا بِالْوَفَاةِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي لاَ يَتَمَيَّزُ دَمُهَا، وَلاَ تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامُ حَيْضٍ قَبْلَ ذَلِكَ بِعِدَّتِهَا: فَعِدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ، لأََنَّهَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا حَيْضٌ قَطُّ، فَهِيَ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ كَانَ لَهَا حَيْضٌ مَعْرُوفٌ فَنَسِيَتْهُ، أَوْ نَسِيَتْ مِقْدَارَهُ وَوَقْتَهُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ مِقْدَارًا تُوقِنُ فِيهِ أَنَّهَا قَدْ أَتَمَّتْ ثَلاَثَةَ أَطْهَارٍ وَحَيْضَتَيْنِ، وَصَارَتْ فِي الثَّالِثَةِ، وَلاَ بُدَّ. فَإِذَا مَضَى الْمِقْدَارُ الْمَذْكُورُ فَقَدْ حَلَّتْ ; لأََنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الأَقْرَاءِ بِلاَ شَكٍّ فَعَلَيْهَا إتْمَامُ ثَلاَثَةِ قُرُوءٍ، وَأَمَّا إذَا تَمَيَّزَ دَمُهَا فَأَمْرُهَا بَيِّنٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ الأَسْوَدَ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِذْ رَأَتْ الأَحْمَرَ، أَوْ الصُّفْرَةَ فَهُوَ طُهْرٌ. وَكَذَلِكَ الَّتِي لاَ يَتَمَيَّزُ دَمُهَا إِلاَّ أَنَّهَا تَعْرِفُ أَيَّامَهَا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ إذَا جَاءَتْ أَيَّامُهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا حَيْضًا، وَبِأَيَّامِهَا الَّتِي كَانَتْ تَطْهُرُ فِيهَا طُهْرًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا برهان ذَلِكَ: فِي " كِتَابِ الْحَيْضِ " فِي " الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ، وَهِيَ أَخْبَارٌ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْمُسْتَرِيبَةُ فَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالأَقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ فَأَتَمَّتْهَا إِلاَّ أَنَّهَا تُقَدِّرُ أَنَّهَا حَامِلٌ وَلَيْسَتْ مُوقِنَةً بِذَلِكَ، وَلاَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلاً فَهَذِهِ امْرَأَةٌ لَمْ تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الأَقْرَاءِ قَطْعًا، وَلاَ تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الشُّهُورِ حَتْمًا، وَلاَ تُوقِنُ أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الأَحْمَالِ بَتْلاً هَذِهِ صِفَتُهَا بِلاَ شَكٍّ نَعْلَمُ ذَلِكَ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً. فَإِذْ هِيَ كَذَلِكَ فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ التَّرَبُّصِ حَتَّى تُوقِنَ أَنَّهَا حَامِلٌ فَتَكُونُ عِدَّتُهَا وَضْعَ حَمْلِهَا، أَوْ تُوقِنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلاً فَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ إذَا أَيْقَنَتْ أَنَّهَا لاَ حَمْلَ بِهَا ; لأََنَّهَا قَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا الْمُتَّصِلَةُ بِمَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الطَّلاَقِ إمَّا الأَقْرَاءُ. وَأَمَّا الشُّهُورُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.، وَأَقْصَى مَا يَكُونُ التَّرَبُّصُ مِنْ آخَرِ وَطْءٍ وَطِئَهَا زَوْجُهَا خَمْسَةُ أَشْهُرٍ، فَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ تَتَجَاوَزَهَا إِلاَّ وَهِيَ مُوقِنَةٌ بِالْحَمْلِ، أَوْ بِبُطْلاَنِهِ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، وَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ حَيٌّ إذَا كَانَ حَيًّا فَلاَ بُدَّ لَهُ ضَرُورَةً مِنْ حَرَكَةٍ. وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ الأَقْرَاءِ فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ تَمَامِ أَقْرَائِهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لاَ حَدَّ لِذَلِكَ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى لِذَلِكَ حَدًّا مَحْدُودًا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَإِنْ حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ لَمْ تَحِضْ، أَوْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ لَمْ تَحِضْ، أَوْ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَةَ الْأُولَى فَلَمْ تَأْتِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا ; أَوْ قَبْلَهَا. فَلاَ بُدَّ لِهَؤُلاَءِ كُلِّهِنَّ مِنْ التَّرَبُّصِ أَبَدًا حَتَّى يَحِضْنَ تَمَامَ ثَلاَثِ حِيَضٍ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ حَتَّى يَصِرْنَ فِي حَدِّ الْيَأْسِ مِنْ الْمَحِيضِ، فَإِذَا صِرْنَ فِيهِ اسْتَأْنَفْنَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، وَلاَ بُدَّ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْعِدَّةَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ إِلاَّ عَلَى اللَّوَاتِي لَمْ يَحِضْنَ، وَعَلَى الْيَائِسَاتِ مِنْ الْمَحِيضِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، فَإِذَا صَارَتْ مِنْ الْيَائِسَاتِ فَحِينَئِذٍ دَخَلَتْ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا بِالْعِدَّةِ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ هَذَا نَصُّ كَلاَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحُكْمُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهِيَ تُرْضِعُ فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ لاَ تَحِيضُ يَمْنَعُهَا الرَّضَاعُ الْحَيْضَ، ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا بِأَشْهُرٍ فَقَالُوا لَهُ: إنَّهَا تَرِثُك إنْ مِتَّ فَأَمَرَ أَنْ يُحْمَلَ إلَى عُثْمَانَ فَحُمِلَ إلَيْهِ، فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ امْرَأَتِهِ وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُمَا عُثْمَانُ فَقَالاَ جَمِيعًا: نَرَى أَنْ تَرِثَهُ إنْ مَاتَ، وَأَنَّهُ يَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، وَلاَ مِنْ الأَبْكَارِ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدَ الرَّحِيمِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالاَ جَمِيعًا فِي الشَّابَّةِ تَطْلُقُ فَلاَ تَحِيضُ: إنَّهَا تَنْتَظِرُ حَتَّى تَيْأَسَ مِنْ الْمَحِيضِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، كِلاَهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِقَتَيْنِ، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَتْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: حَبَسَ اللَّهُ عَلَيْك مِيرَاثَهَا، وَوَرَّثَهُ مِنْهَا هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا بِعَيْنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، إِلاَّ أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ سَمْعَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيِّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، قَالَ: سَأَلْت مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً ثُمَّ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ قَالَ: تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ حِينَئِذٍ بِثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: وَسَأَلْته عَنْ امْرَأَةٍ شَابَّةٍ طَلُقَتْ فَلَمْ تَحِضْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا قَالَ: تَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ مَا كَانَ. وَسَأَلْته عَنْ جَارِيَةٍ حَاضَتْ حَيْضَةً وَطَلُقَتْ فَلَمْ تَحِضْ سَنَتَيْنِ قَالَ عِدَّتُهَا الْحَيْضُ مَا كَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ مُطَلَّقَةٍ لاَ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً قَالَ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَلَوْ كَانَتْ فِي عِشْرِينَ سَنَةً إذَا كَانَتْ تَحِيضُ وَلَهَا شَبَابٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ، وَيَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: تَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: تَعْتَدُّ أَقْرَاءَهَا مَا كَانَتْ تَقَارَبَتْ أَوْ تَبَاعَدَتْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ عَطَاءٌ: فَإِنْ وَجَدَتْ فِي بَطْنِهَا كَالْحَشَّةِ لاَ تَدْرِي أَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ أَمْ لاَ فَلاَ تُعَجِّلْ بِنِكَاحٍ حَتَّى تَسْتَبِينَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا عَلَى حَيْضَتِهَا، تَقَارَبَتْ أَوْ تَبَاعَدَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: تَعْتَدُّ أَقْرَاءَهَا مَا كَانَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا أَنَّ عِدَّتَهَا الْحَيْضُ، وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فِي كُلِّ سَنَةٍ إِلاَّ مَرَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا عَبِيدَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ وَإِنْ حَاضَتْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي الَّتِي لاَ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً قَالَ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَهُ اللَّيْثُ فِي الْمُخْتَلِفَةِ الأَقْرَاءِ. قال أبو محمد: فَكُلُّ هَؤُلاَءِ يَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِنَا، وَهَهُنَا قَوْلٌ ثَانٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا "، فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَلِكَ، وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ الأَشْهُرِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حَلَّتْ. وَصَحَّ مِثْلُ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ هُوَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ قَوْلِ عُمَرَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَعْتَدُّ سَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: إذَا كَانَتْ فِي الأَشْهُرِ مَرَّةً يَعْنِي الْحَيْضَ فَعِدَّتُهَا سَنَةٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الَّتِي تَحِيضُ فَيَكْثُرُ دَمُهَا حَتَّى لاَ تَدْرِيَ كَيْفَ حَيْضَتُهَا قَالَ: تَعْتَدُّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَهِيَ الرِّيبَةُ، الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا أَجْزَأَ عَنْهَا أَنْ تَعْتَدَّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ حَيْضًا مُخْتَلِفًا فَإِنَّهَا رِيبَةٌ عِدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ، قَالَ قَتَادَةُ: تَعْتَدُّ الْمُسْتَحَاضَةُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: إذَا كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً يَكْفِيهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ. قال أبو محمد: اخْتَلَفَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا كَمَا أَوْرَدْنَا، فَذَكَرَ سُفْيَانُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ وَعَنْ طَاوُوس: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ. وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ وَعَنْ طَاوُوس: ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الطَّلاَقِ وَالْوَفَاةِ سَنَةٌ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إنْ ارْتَفَعَ حَيْضُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثَة أَشْهُرٍ اعْتَدَّتْ سَنَةً. وقال أحمد، وَإِسْحَاقُ: عِدَّةُ الْمُسْتَحَاضَةِ الأَقْرَاءُ، إنْ عَرَفَتْ أَوْقَاتَهَا وَإِلَّا فَسَنَةٌ. وقال مالك: إنْ لَمْ تَحِضْ الْمُطَلَّقَةُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ مُتَّصِلَةٍ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ أَتَمَّتْهَا، وَلَمْ تَحِضْ فَقَدْ تَمَّتْ الْعِدَّةُ، وَحَلَّتْ لِلأَزْوَاجِ وَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا عَدَّتْ كُلَّ ذَلِكَ قُرْءًا وَاحِدًا ثُمَّ تَنْتَظِرُ الْحَيْضَ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ حَتَّى تُتِمَّهَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا عَدَّتْ كُلَّ ذَلِكَ قُرْءًا ثَانِيًا ثُمَّ تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ اعْتَدَّتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا أَوْ أَتَمَّتْهَا دُونَ أَنْ تَرَى حَيْضًا فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا. قال أبو محمد: كُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ لاَ حُجَّةَ لِتَصْحِيحِهَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ يَصِحُّ، وَلاَ رِوَايَةٍ تَصِحُّ عَنْ صَاحِبٍ، إنَّمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ، مَعَ أَنَّهَا لاَ تَصِحُّ ; لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ خِلاَفَ ذَلِكَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا فَمَا الَّذِي جَعَلَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى. وقال مالك: إنَّمَا تَبْتَدِي بِتَرَبُّصِ التِّسْعَةِ الأَشْهُرِ مِنْ حِينِ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا، لاَ مِنْ حِينِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، إِلاَّ الَّتِي رَفَعَتْهَا حَيْضَتُهَا إثْرَ طَلاَقِهَا، فَهَذِهِ تَعْتَدُّ التِّسْعَةَ الأَشْهُرَ مِنْ حِينِ طَلُقَتْ. قَالَ: وَالْمُسْتَحَاضَةُ كَذَلِكَ عِدَّتُهَا سَنَةٌ الْحُرَّةُ وَالأَمَةُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ الَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا مِنْ مَرَضٍ الأَمَةُ وَالْحُرَّةُ سَوَاءٌ قَالَ: وَأَمَّا الَّتِي ارْتَفَعَ حَيْضُهَا مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ فَإِنَّهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَلاَ تَتِمُّ عِدَّتُهَا إِلاَّ بِتَمَامِ ثَلاَثَةِ أَقْرَاءٍ كَائِنَةً مَا كَانَتْ. قَالَ: وَأَمَّا الْمُرْتَابَةُ فَإِنَّهَا تُقِيمُ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ أَوْ يَصِحَّ الْحَمْلُ، قَالَ: وَأَقْصَى تَرَبُّصِهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ. قال أبو محمد: هَذِهِ تَقَاسِيمُ لاَ تُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. فَإِنْ شَغَبُوا بِالرِّوَايَةِ الَّتِي هِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ بِحَضْرَةِ عُثْمَانَ. قلنا: لَمْ يَقُولُوا إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ ; إنَّمَا بَيَّنُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، وَلاَ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَيْأَسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَقُولُوا مَا لَمْ يَقُولُوا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا تَقَارُبُ الأَقْرَاءِ أَوْ تَبَاعُدُهَا لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ قَوْلَهَا، إِلاَّ بِأَرْبَعٍ عُدُولٍ مِنْ النِّسَاءِ عَالِمَاتٍ، يَشْهَدْنَ أَنَّهَا حَاضَتْ حَيْضًا أَسْوَدَ ثُمَّ طَهُرَتْ مِنْهُ هَكَذَا ثَلاَثَةَ أَقْرَاءٍ أَوْ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ كَذَلِكَ مَعَ يَمِينِهَا ; لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، وَلاَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِلأَقْرَاءِ مِقْدَارٌ لاَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ ثُمَّ يَسْكُتُ عَنْ ذَلِكَ لِيُكَلِّفَنَا عِلْمَ الْغَيْبِ الَّذِي حَجَبَهُ عَنَّا، أَوْ يَكِلَنَا إلَى الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ، وَالأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لاَ يُشَكُّ فِي بُطْلاَنِهَا. وَأَمَّا أَنْ لاَ تُصَدَّقَ فِي ذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ بُطْلاَنَ حَقٍّ ثَابِتٍ لِزَوْجِهَا فِي رَجْعَتِهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ فَلاَ تُصَدَّقُ إِلاَّ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاَثَةَ حِيَضٍ فِي الشَّهْرِ. فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ: قُلْ فِيهَا فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ، وَأَمَانَتُهُ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثًا: طَهُرَتْ عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ وَصَلَّتْ، فَهِيَ صَادِقَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: قالون يَعْنِي: أَصَبْت بِالرُّومِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إنَّ امْرَأَةً طَلُقَتْ فَحَاضَتْ فِي نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثَلاَثَ حِيَضٍ، فَاخْتَصَمُوا إلَى شُرَيْحٍ فَرَفَعَهُمْ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ نِسَائِهَا أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ هَكَذَا أَبَانَتْ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلْتَعْتَدَّ ثَلاَثَ حِيَضٍ فِي ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةٍ حَاضَتْ فِي شَهْرٍ أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثَلاَثَ حِيَضٍ قَالَ: إذَا شَهِدَتْ لَهَا الْعُدُولُ مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهَا قَدْ رَأَتْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلاَةَ مِنْ طُمُوثِ النِّسَاءِ الَّذِي هُوَ الطُّمُوثُ الْمَعْرُوفُ، فَقَدْ خَلاَ أَجَلُهَا قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ قَوْلُنَا وَقَدْ رَوَيْت رِوَايَةً نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالاَ جَمِيعًا: مِنْ الأَمَانَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ اُؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ النِّسَاءُ فَقَالَ: لَمْ نُؤْمَرْ بِفَتْحِهِنَّ. قال أبو محمد: صَدَقَ أُبَيٌّ رضي الله عنه وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ اُؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا: كُلُّ أَحَدٍ مُوَكَّلٌ فِي دِينِهِ الَّذِي يَغِيبُ عَنْ النَّاسِ بِهِ إلَى أَمَانَتِهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوجِبُ تَصْدِيقَهَا عَلَى إبْطَالِ حَقِّ زَوْجِهَا فِي الرَّجْعَةِ ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلاَءِ، فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لاَ تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا، وَلاَ تُصَدَّقُ النُّفَسَاءُ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَسُفْيَانُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَمَالِكٌ فِي مُوجِبِ أَقْوَالِهِ لاَ تُصَدَّقُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلاَثِينَ يَوْمًا. قال أبو محمد: هَذَا أَقْيَسُ عَلَى أُصُولِهِمْ ; لأََنَّهُ يَجْعَلُهَا مُطَلَّقَةً فِي آخِرِ طُهْرِهَا، ثُمَّ ثَلاَثُ حِيَضٍ، كُلُّ حَيْضَةٍ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ أَقَلُّ الْحَيْضِ عِنْدَهُمْ وَطُهْرَانِ، كُلُّ طُهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَهُوَ أَقَلُّ الطُّهْرِ عِنْدَهُمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي النُّفَسَاءِ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لاَ أُصَدِّقُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ أُصَدِّقُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لاَ أُصَدِّقُ الْمُعْتَدَّةَ بِالأَقْرَاءِ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لاَ أُصَدِّقُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: إنْ لَمْ تَأْتِ بِبَيِّنَةٍ لَمْ تُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ. وَعَلَى أَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ: لاَ تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ يَوْمًا، وَبَعْضِ يَوْمٍ ; لأََنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ يَوْمٌ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ قَالُوا: قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَحِيضُ فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا. قلنا: لاَ يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ عَلَيْكُمْ لاَ لَكُمْ ; لأََنَّكُمْ لاَ تَقُولُونَ بِهَذَا التَّحْدِيدِ، فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَلاَ فِي أَكْثَرِ. فَإِنْ قَالُوا: صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: اُنْظُرِي عَدَدَ الأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي كُنْتِ، تَحِيضِينَ. قلنا: لاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ مَنْ كَانَتْ تَحِيضُ أَيَّامًا وَلَيَالِيَ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلاَ تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مِنْ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ فَلَمْ يَجْعَلْ عليه الصلاة والسلام لِذَلِكَ حَدًّا لاَ يَكُونُ أَقَلُّ مِنْهُ. فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ لِمَنْ لَهَا أَيَّامٌ وَلَيَالِي مَعْرُوفَةٌ. فَهَذَا الآخَرُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ اللَّيَالِيَ، وَلاَ الأَيَّامَ: كُلُّ خَبَرٍ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ تَكْلِيفِ تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، أَوْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِإِزَاءِ ثَلاَثَةِ أَقْرَاءٍ قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ قُرْءٌ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، وَلاَ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ، وَأَنْتُمْ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لِهَذِهِ الْحُجَّةِ، لأََنَّكُمْ تُجِيزُونَ كَوْنَ قُرْءَيْنِ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، وَتُجِيزُونَ أَنْ يَكُونَ قُرْءٌ وَاحِدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ. فَإِنْ قَالُوا: لاَ تَظْهَرُ الْبَرَاءَةُ مِنْ الرَّحِمِ فِي نِصْفِ شَهْرٍ فَأَقَلَّ. قلنا: وَلاَ فِي ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، وَكُلُّكُمْ يَجْعَلُ الْعِدَّةَ تَتِمُّ بِالأَقْرَاءِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ: الْحَيْضُ مَتَى ظَهَرَ: تَرَكَتْ الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ، وَحَرُمَ وَطْؤُهَا عَلَى زَوْجِهَا فَمَتَى رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْهُ صَلَّتْ، وَصَامَتْ وَحَلَّتْ لِزَوْجِهَا، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ طُهْرًا تَعْتَدُّ بِهِ فِي الْعِدَّةِ. قال أبو محمد: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَطُهْرًا يُحِيلُ حُكْمَ الصَّلاَةِ، وَالصِّيَامِ ; وَإِبَاحَةَ الْوَطْءِ وَتَحْرِيمَهُ، وَلاَ يَكُونُ حَيْضًا وَطُهْرًا يُعَدُّ قُرْءًا فِي الْعِدَّةِ هَذَا قَوْلٌ لاَ خَفَاءَ بِفَسَادِهِ ; لأََنَّهُ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ، وَلِقَوْلِ كُلِّ مَنْ سَلَفَ. وَمَا نَعْلَمُ لأََبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى كَلاَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَوَجَدْنَاهُ تَعَالَى قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ عِدَّتَهَا قَدْ تَمَّتْ وَقَالَتْ: هِيَ لَمْ تَتِمَّ فَالزَّوْجُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ مَعَ يَمِينِهَا ; لأََنَّهَا مُدَّعًى عَلَيْهَا، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَقَدْ شَغَبَ بَعْضُهُمْ فِي تَصْدِيقِهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَصْدِيقِهَا، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُوجِبُ تَصْدِيقَهَا وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَقُولَ: أَنَا حُبْلَى وَلَيْسَتْ حُبْلَى، وَلاَ لَسْت حُبْلَى وَهِيَ حُبْلَى، وَلاَ أَنَا حَائِضٌ وَلَيْسَتْ حَائِضًا، وَلاَ لَسْت حَائِضًا وَهِيَ حَائِضٌ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْوَلَدُ لاَ تَكْتُمُهُ، وَلاَ أَدْرِي لَعَلَّ الْحَيْضَةَ مَعَهُ. قال أبو محمد: الْمُدَّعِيَةُ أَنَّهَا قَدْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا لَمْ تَكْتُمْ شَيْئًا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَحِمِهَا، إنَّمَا ادَّعَتْ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ خَلَقَ حَيْضَهَا، وَهِيَ إمَّا كَاذِبَةٌ وَأَمَّا صَادِقَةٌ فَلاَ مَدْخَلَ لَهَا فِيمَا فِي الآيَةِ مِنْ تَحْرِيمِ كِتْمَانِ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي رَحِمِهَا وَلَيْسَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لَهَا مَا يُسْقِطُ حَقَّ الزَّوْجِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّجْعَةِ. قال أبو محمد: وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ عُرِضَ عَلَيْهَا مِنْ الْقَوَابِلِ مَنْ لاَ يُشَكُّ فِي عَدَالَتِهِنَّ أَرْبَعٌ، وَلاَ بُدَّ. فَإِنْ شَهِدْنَ بِحَمْلِهَا قَضَى بِمَا يُوجِبُهُ الْحَمْلُ، وَإِنْ شَهِدْنَ بِأَنْ لاَ حَمْلَ بِهَا بَطَلَتْ دَعْوَاهَا فَلَوْ شَهِدْنَ بِحَمْلِهَا ثُمَّ صَحَّ أَنَّهُنَّ كَذَبْنَ أَوْ أُوهِمْنَ قَضَى عَلَيْهَا بِرَدِّ مَا أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ وَالْإِحْدَادِ فِيهَا يَلْزَمُ الصَّغِيرَةَ وَلَوْ فِي الْمَهْدِ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونَةُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وقال أبو حنيفة: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلاَ إحْدَادَ عَلَيْهَا قَالَ: لأََنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ. قال أبو محمد: إنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ حُجَّةً مُسْقِطَةً لِلْإِحْدَادِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْقِطَ بِذَلِكَ عَنْهَا الْعِدَّةَ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَفَرْضٌ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ أَنْ تَجْتَنِبَ الْكُحْلَ كُلَّهُ لِضَرُورَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهَا لاَ لَيْلاً، وَلاَ نَهَارًا، وَأَمَّا الضِّمَادُ فَمُبَاحٌ لَهَا. وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا فَرْضًا: كُلَّ ثَوْبٍ مَصْبُوغٍ مِمَّا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ، أَوْ عَلَى الْجَسَدِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ السَّوَادُ، وَالْخُضْرَةُ، وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ إِلاَّ الْعَصْبَ وَحْدَهُ وَهِيَ: ثِيَابٌ مُوَشَّاةٌ تُعْمَلُ بِالْيَمَنِ، فَهُوَ مُبَاحٌ لَهَا. وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا فَرْضًا: الْخِضَابَ كُلَّهُ، فَلاَ تَقْرَبُهُ كُلَّهُ جُمْلَةً. وَتَجْتَنِبُ الأَمْتِشَاطَ حَاشَ بِالْمِشْطِ فَقَطْ، فَهُوَ حَلاَلٌ لَهَا. وَتَجْتَنِبُ أَيْضًا فَرْضًا الطِّيبَ كُلَّهُ فَلاَ تَقْرَبُهُ حَاشَا شَيْئًا مِنْ قُسْطٍ، أَوْ إظْفَارٍ عِنْدَ طُهْرِهَا فَقَطْ. وَمُبَاحٌ لَهَا: أَنْ تَلْبَسَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَتْ مِنْ حَرِيرٍ أَبْيَضَ، أَوْ أَصْفَرَ مِنْ لَوْنِهِ الَّذِي لَمْ يُصْبَغْ، وَصُوفَ الْبَحْرِ الَّذِي هُوَ لَوْنُهُ، وَالْقُطْنَ الأَبْيَضَ، وَالْكَتَّانَ الأَبْيَضَ مِنْ دِبْقِ مُضَرَ، وَالْمَرْوِيَّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَمُبَاحٌ لَهَا: أَنْ تَلْبَسَ الْمَنْسُوجَ بِالذَّهَبِ وَالْحُلِيَّ كُلَّهُ: مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْجَوْهَرِ وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَتَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَتَغْسِلُ رَأْسَهَا بِالْخِطْمِيِّ، وَالطَّفْلِ فَهِيَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ تَجْتَنِبُهَا فَقَطْ. برهان ذَلِكَ: مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ،، وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ ابْنَةَ النَّحَّامِ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَأَتَتْ أُمُّهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ ابْنَتِي تَشْتَكِي عَيْنَهَا أَفَأُكَحِّلُهَا قَالَ: لاَ قَالَتْ: إنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا قَالَ: وَإِنْ انْفَقَأَتْ وَذَكَرَتْ الْخَبَرَ. قال أبو محمد: زَيْنَبُ لَهَا صُحْبَةٌ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّارِعُ الْبَصْرِيُّ أَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُحِدُّ الْمَرْأَةُ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلاَ تَكْتَحِلُ، وَلاَ تَمْتَشِطُ، وَلاَ تَمَسُّ طِيبًا إِلاَّ عِنْدَ طُهْرِهَا حِينَ تَطْهُرُ: نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَكِّيُّ أَنَا سُفْيَانُ أَنَا عَاصِمٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لأَمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ، وَلاَ تَكْتَحِلَ، وَلاَ تَخْتَضِبَ، وَلاَ تَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا. فَهَذِهِ هِيَ الآثَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَهَهُنَا آثَارٌ لاَ تَصِحُّ، نُنَبِّهُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يُخْطِئَ بِهَا مَنْ لاَ يَعْرِفُ. وَهَهُنَا: مِنْهَا خَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ حَدَّثَنِي بَدِيلٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: لاَ تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ، وَلاَ الْمُمَشَّقَةَ، وَلاَ الْحُلِيَّ. قال أبو محمد: فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرُ الْحُلِيِّ، وَلاَ يَصِحُّ لأََنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ طَهْمَانَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ. وَالْإِحْدَادُ وَاجِبٌ عَلَى الذِّمِّيَّةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَحَفْصَةُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، أَنَّهَا لاَ تَمَسُّ خِضَابًا، وَلاَ تَكْتَحِلُ بِكُحْلٍ زِينَةً، وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَلاَ تَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ إِلاَّ أَدْنَى الطِّيبِ: نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ، وَأَظْفَارٍ عِنْدَ طُهْرِهَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لاَ تَكْتَحِلُ وَإِنْ انْفَقَأَتْ عَيْنَاهَا. وَهَذَا قَوْلُنَا. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تَجْتَنِبُ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: لاَ تَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ الْمُصْبَغَةِ شَيْئًا، وَلاَ تَكْتَحِلُ، وَلاَ تَلْبَسُ خَاتَمًا، وَلاَ تَخْتَضِبُ، وَلاَ تَطَيَّبُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لاَ تَمَسُّ طِيبًا، وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَلاَ تَكْتَحِلُ، وَلاَ تَلْبَسُ الْحُلِيَّ، وَلاَ تَخْتَضِبُ. وَمِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لأََنَّ فِيهَا ابْنَ لَهِيعَةَ: لاَ تَلْبَسُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مُعَصْفَرًا، وَلاَ تَقْرَبُ طِيبًا، وَلاَ تَكْتَحِلُ، وَلاَ تَلْبَسُ حُلِيًّا، وَتَلْبَسُ إنْ شَاءَتْ ثِيَابَ الْعَصْبِ. أَمَّا التَّابِعُونَ فَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لاَ تَلْبَسُ صِبَاغًا، وَلاَ حُلِيًّا وَتُنْهَى عَنْ الطِّيبِ، وَالزِّينَةِ، وَلاَ تَكْتَحِلُ بِإِثْمِدٍ، فَإِنَّ فِيهِ زِينَةً، وَلاَ تُحَضِّضُ فَإِنَّ فِيهِ زَعَمُوا وَرْسًا، وَتَكْتَحِلُ بِالصَّبْرِ إنْ شَاءَتْ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حُلِيُّ فِضَّةٍ فَلاَ تَنْزِعُهُ إنْ شَاءَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا فَلاَ تَلْبَسُهُ تُرِيدُ بِهِ الزِّينَةَ، فَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْإِثْمِدِ، أَوْ الطِّيبِ: فَلَهَا أَنْ تَتَدَاوَى بِهِ، وَكَانَ يَكْرَهُ الذَّهَبَ لَهَا، وَلِغَيْرِهَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ خَاتَمًا. قَالَ: وَلَهَا أَنْ تَمْتَشِطَ بِالْحِنَّاءِ، وَالْكَتَمِ. قَالَ: وَلَيْسَ الْقُسْطُ، وَالأَظْفَارُ طِيبًا، وَلاَ تُزَيِّنُ هَوْدَجَهَا إنْ رَكِبَتْ فِيهِ وَرَأَى: الْمَرْوِيَّ، وَالْهَرَوِيَّ زِينَةً وَرَأَى اللُّؤْلُؤَ زِينَةً. قَالَ: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا خَوَاتِمُ فِضَّةٍ فِيهَا فُصُوصُ يَوَاقِيتُ، أَوْ غَيْرُهُ: فَلَهَا أَنْ تَلْبَسَهُ قَالَ: فَإِنْ تُوُفِّيَ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ فَلأََهْلِهَا أَنْ يُزَيِّنُوهَا وَيُطَيِّبُوهَا. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ: أَنَّهَا لاَ تَلْبَسُ حُلِيًّا، وَلاَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِشَيْءٍ مِنْ الأَصْبَاغِ. وَصَحَّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لاَ تَكْتَحِلُ، وَلاَ تَخْتَضِبُ، وَلاَ تَمْتَشِطُ، وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا فِيهِ وَرْسٌ، أَوْ زَعْفَرَانٌ، وَلاَ تَلْبَسُ الْحُمْرَةَ إِلاَّ الْعَصْبَ. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: يُكْرَهُ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا: الْعَصْبُ وَالسَّوَادُ، وَلاَ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُصْبَغَةَ، وَلاَ تَلْبَسُ حُلِيًّا، وَلاَ طِيبًا. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لاَ تَمَسُّ الصُّفْرَةَ، وَلاَ الطِّيبَ، وَلاَ تَكْتَحِلُ بِكُحْلٍ زِينَةً، لَكِنْ بِزُورٍ، أَوْ صَبْرٍ، إِلاَّ أَنْ تَرْمَدَ فَتَكْتَحِلَ. وَصَحَّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ امْرَأَةً مَاتَ زَوْجُهَا، قَالَتْ لَهُ: لَيْسَ لِي إِلاَّ هَذَا الْخِمَارُ وَهُوَ مَصْبُوغٌ بِبَقَّمٍ فَقَالَ: اُصْبُغِيهِ بِسَوَادٍ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: تَمْتَنِعُ مِنْ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ، وَالْكُحْلِ، وَالثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ بِالْوَرْسِ، وَالزَّعْفَرَانِ، وَالْعُصْفُرِ خَاصَّةً، وَلاَ تَدَّهِنُ بِزَيْتٍ أَصْلاً، سَوَاءً مُطَيَّبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُطَيَّبٍ. وَأَبَاحُوا لَهَا الْخَزَّ الأَحْمَرَ. وقال مالك: تَجْتَنِبُ الزِّينَةَ كُلَّهَا، وَالْحُلِيَّ: الْخَاتَمَ، وَغَيْرَهُ، وَلاَ تَلْبَسُ الْخَزَّ، وَلاَ الْعَصْبَ، إِلاَّ الْعَصْبَ الْغَلِيظَ خَاصَّةً، وَلاَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ بِسَوَادٍ، وَلاَ تَكْتَحِلُ أَصْلاً، وَلاَ تَقْرَبُ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ، وَلاَ دُهْنًا مُطَيَّبًا بِرَيْحَانٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَلاَ تَمْتَشِطُ بِحِنَّاءٍ، وَلاَ بِكَتَمٍ، وَلاَ بِشَيْءٍ يَخْتَمِرُ فِي الرَّأْسِ، لَكِنْ بِالسِّدْرِ، وَمَا أَشْبَهَهُ وَتَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجُ. وقال الشافعي: تَجْتَنِبُ الزِّينَةَ كُلَّهَا، وَالدُّهْنَ كُلَّهُ: الزَّيْتَ، وَغَيْرَهُ، فِي الرَّأْسِ، وَغَيْرِهِ، وَلاَ تَكْتَحِلُ بِمَا فِيهِ زِينَةٌ، وَلاَ بَأْسَ بِالْكُحْلِ الَّذِي لاَ زِينَةَ فِيهِ، فَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى مَا فِيهِ زِينَةٌ مِنْهُ جَعَلَتْهُ لَيْلاً، وَمَسَحَتْهُ نَهَارًا، كَالصَّبْرِ، وَنَحْوِهِ. وَتَجْتَنِبُ كُلَّ صِبَاغٍ فِيهِ زِينَةٌ، وَتَلْبَسُ الْبَيَاضَ، وَالْمَصْبُوغَ بِالسَّوَادِ، وَالْخُضْرَةِ الْمُقَارِبَةِ لِلسَّوَادِ، وَمَا لَيْسَ بِزِينَةٍ وَتَجْتَنِبُ الطِّيبَ. قال أبو محمد: كُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ خَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ ; لأََنَّهَا لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْهَا برهان يُصَحِّحُهُ، لاَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ سِيَّمَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَخْصِيصِ مَا صُبِغَ بِوَرْسٍ، أَوْ زَعْفَرَانٍ، أَوْ عُصْفُرٍ خَاصَّةً. وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي اجْتِنَابِ الْعَصْبِ إِلاَّ الْغَلِيظَ مِنْهُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي تَخْصِيصِ الأَصْبَاغِ، فَإِنَّهَا أَقْوَالٌ لاَ تُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَلاَ مَعْنَى لَهَا أَصْلاً. فإن قيل: الْمَعْنَى فِي الْإِحْدَادِ اجْتِنَابُ الزِّينَةِ قلنا: حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهِ لَوْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَمَا عَجَزَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُهَا، وَلاَ يُطَوِّلُ بِذِكْرِ الصِّبَاغِ إِلاَّ الْعَصْبَ، وَبِذِكْرِ الطِّيبِ إِلاَّ الْقُسْطَ، وَالأَظْفَارَ عِنْدَ الطُّهْرِ، خَاصَّةً، وَبِذِكْرِ الْكُحْلِ، وَالأَمْتِشَاطِ، فِي الأَخْتِضَابِ خَاصَّةً، وَهُوَ عليه الصلاة والسلام قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ: أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ أَرَادَ الزِّينَةَ فَلَمْ يُسَمِّهَا، وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ بَعْضَ الصِّبَاغِ فَسَمَّاهُ عُمُومًا هَذَا الْبَاطِلُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، وَالْكَذِبُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، وَكُلُّ قَوْلٍ عَرِيَ مِنْ الْبُرْهَانِ فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا قَصَدَ بِالْإِحْدَادِ الْحُزْنَ قلنا: هَذَا الْكَذِبُ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ حُزْنَ أَوْجَبَ مِنْ الْحُزْنِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَلَى الأَبَوَيْنِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَعْلَنَتْ بِأَنَّهَا لَمْ تُسَرَّ قَطُّ كَسُرُورِهَا بِمَوْتِ زَوْجِهَا لَمَا كَانَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ إثْمٌ، وَلاَ مَلاَمَةٌ، إذْ لَمْ تُقَصِّرْ فِي حُقُوقِ التَّبَعُّلِ فِي حَيَاتِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْحُزْنِ عَلَيْهِ لَكَانَ مُبَاحًا لَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَالْحُزْنُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَيْسَ مَحْظُورًا، وَلاَ يَجُوزُ لَهَا الْإِحْدَادُ أَكْثَرَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَهَهُنَا قَوْلٌ آخَرُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَقُولُ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَكْتَحِلاَنِ وَيَمْتَشِطَانِ وَيَطَّيَّبَانِ، وَيَخْتَضِبَانِ، وَيَنْتَعِلاَنِ، وَيَضَعَانِ مَا شَاءَتَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لاَ تُحِدُّ. قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا شُعْبَةُ أَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَمْرَأَةِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: إذَا كَانَ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَالْبَسِي مَا شِئْتِ، أَوْ إذَا كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ شُعْبَةُ شَكَّ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ اسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَبْكِيَ عَلَى جَعْفَرٍ وَهِيَ امْرَأَتُهُ فَأَذِنَ لَهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهَا بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ: أَنْ تَطَهَّرِي وَاكْتَحِلِي. قال أبو محمد: هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لأََنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الآخِذِينَ بِالْمُرْسَلِ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ الْفَاسِدَةَ وَرَدُّوا بِهِ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ: كَصَلاَةِ الْإِمَامِ قَاعِدًا لِمَرَضٍ بِالأَصِحَّاءِ. وَكَإِيجَابِ الْعِدَّةِ أَنْ يَأْخُذُوا بِهَذَا، وَلاَ سِيَّمَا وَالْإِحْدَادُ رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِهِ إثْرَ مَوْتِ أَبِي سَلَمَةَ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ مَوْتَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ قَبْلَ قَتْلِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما بِسَنَتَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا لاَ يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ. قَالَ عَلِيٌّ: إنْ غُسِلَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ حَتَّى لاَ يَبْقَى فِيهِ أَثَرُ صِبَاغٍ فَلَيْسَ مَصْبُوغًا: فَلَهَا لِبَاسُهُ. فَلَوْ الْتَزَمَتْ الْمَرْأَةُ هَذَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عَلَى أَبٍ، أَوْ أَخٍ، أَوْ ابْنٍ، أَوْ أُمٍّ، أَوْ قَرِيبٍ، أَوْ قَرِيبَةٍ: كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولاَنِ: إنَّهُمَا سَمِعَتَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لاَ يَحِلُّ لأَمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَلَيْسَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا إحْدَادٌ أَصْلاً، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ غَيْرُهُمْ خِلاَفَ ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: تُحِدُّ الْمَبْتُوتَةُ كَمَا تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، فَلاَ تَمَسُّ طِيبًا، وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَلاَ تَكْتَحِلُ لاَ تَخْتَضِبُ، وَلاَ تَلْبَسُ الْحُلِيَّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْمَبْتُوتَةُ لاَ تُحْدِثُ حُلِيًّا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا حُلِيٌّ لَمْ تَنْزِعْهُ، وَلاَ تَمَسُّ طِيبًا، وَتَمْتَشِطُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَتَدَّهِنُ بِالدُّهْنِ الَّذِي يَنِشُّ بِالرَّيْحَانِ وَكَرِهَ الزُّهْرِيُّ الَّذِي فِيهِ الأَفَاوِيهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عَطَاءُ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَفُقَهَاءَ الْمَدِينَةِ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَقَالُوا: تُحِدَّانِ وَتَتْرُكَانِ التَّكْحِيلَ، وَالتَّخْضِيبَ وَالتَّطْيِيبَ، وَالزِّينَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ لاَ تَكْتَحِلُ بِكُحْلٍ زِينَةً. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا لاَ تَكْتَحِلُ، وَلاَ تَخْتَضِبُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لاَ تَكْتَحِلُ، وَلاَ تَزَّيَّنُ وَهِيَ عِنْدَهُ أَشَدُّ مِنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الزِّينَةَ لِلَّتِي لاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ وَبِقَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يُوجِبْهُ، وَأَوْجَبَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ. قال أبو محمد: حُجَّةُ مَنْ أَوْجَبَ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا أَنْ قَالُوا: هِيَ مُفَارِقَةٌ لِزَوْجِهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ شَغَبٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّ الْقِيَاسَ كُلَّهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا أَوْجَبْتُمْ الْإِحْدَادَ عَلَى الْمُلاَعِنَةِ، وَالْمُخْتَلِعَةِ، وَالْمُطَلَّقَةِ عِنْدَكُمْ طَلاَقًا بَائِنًا، فَكُلُّ هَؤُلاَءِ عِنْدَكُمْ مُفَارِقَاتٌ لأََزْوَاجِهِنَّ. وَأَيْضًا فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْمُطَلَّقَةَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا " مُفَارِقَةً لِزَوْجِهَا " بِتَمَامِ عِدَّتِهَا، إذْ يَقُولُ تَعَالَى:
فَإِنْ أَغْفَلَتْ الْمُعْتَدَّةُ الْإِحْدَادَ الْمَذْكُورَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جَهْلٍ فَلاَ حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَهِيَ عَاصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ تُعِيدُ ذَلِكَ ; لأََنَّ وَقْتَ الْإِحْدَادِ قَدْ مَضَى، وَلاَ يَجُوزُ عَمَلُ شَيْءٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَفِي غَيْرِ وَقْتِهِ. قال أبو محمد إنْ كَانَتْ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَضْعَ حَمْلِهَا فَلاَ بُدَّ لَهَا مِنْ الْإِحْدَادِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَأَقَلَّ، وَلاَ نُوجِبُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ ; لأََنَّ النُّصُوصَ كُلَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فَقَطْ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ بِأَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ إذْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا إثْرَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ وَقَدْ تَشَوَّفَتْ لِلْخُطَّابِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ إحْدَادَ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ حَمْلِهَا قَبْلَ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا بِإِيجَابِهِ عَلَيْهَا إنْ تَمَادَى الْحَمْلُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فَإِنْ وُجِدَ فَالْقَوْلُ بِهِ وَاجِبٌ، وَإِلَّا فَلاَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا إذْ تَدَبَّرْنَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِ خَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّهَا تَجْتَنِبُ مَا ذَكَرَ اجْتِنَابَهُ دُونَ ذِكْرِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، فَكَانَ الْعُمُومُ أَوْلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا.
وَتَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا، أَوْ آخِرِ ثَلاَثٍ وَالْمُعْتَقَةُ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا: حَيْثُ أَحْبَبْنَ.، وَلاَ سُكْنَى لَهُنَّ، لاَ عَلَى الْمُطَلِّقِ، وَلاَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ، وَلاَ عَلَى الَّذِي اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، وَلاَ نَفَقَةَ. وَلَهُنَّ أَنْ يَحْجُجْنَ فِي عِدَّتِهِنَّ، وَأَنْ يَرْحَلْنَ حَيْثُ شِئْنَ. وَأَمَّا كُلُّ مُطَلَّقَةٍ لِلَّذِي طَلَّقَهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلاَ يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ إذْ طَلَّقَهَا، وَلَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ شَدِيدٌ، أَوْ لَزِمَهَا حَدٌّ فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلاَ أَصْلاً لاَ لَيْلاً، وَلاَ نَهَارًا أَلْبَتَّةَ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ لاَ حِيلَةَ فِيهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا الطَّلاَقُ الْبَاتُّ: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لَيْسَ لَهَا سُكْنَى، وَلاَ نَفَقَةٌ. أَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَا أَبِي أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا سَيَّارٌ، وَحُصَيْنٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْمُغِيرَةُ، هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَدَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ كُلُّهُمْ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَخَلْت عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَسَأَلْتهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: طَلَّقَهَا زَوْجُهَا أَلْبَتَّةَ، قَالَتْ: فَخَاصَمْتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى، وَلاَ نَفَقَةً، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعْدٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَيَعْقُوبُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيّ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لاَ نَفَقَةَ لَكِ، وَلاَ سُكْنَى. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ الْعَدَوِيِّ قَالَ: " سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ تَقُولُ إنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكْنَى، وَلاَ نَفَقَةً. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي ابْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ،، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ ابْنُ حَاتِمٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ هَارُونُ: أَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَحَجَّاجٌ، كُلُّهُمْ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: طَلُقَتْ خَالَتِي فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُذَّ نَخْلَهَا فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ اذْهَبِي فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: طَلُقَتْ خَالَتِي ثَلاَثًا فَخَرَجَتْ تَجُذُّ نَخْلَهَا فَنَهَاهَا رَجُلٌ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: اُخْرُجِي فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَعَسَى أَنْ تَصَدَّقِي مِنْهُ، أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا. قال أبو محمد: أَمَّا خَبَرُ فَاطِمَةَ فَمَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ قَاطِعٌ لِلْعُذْرِ. وَأَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ فَفِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَخُصَّ لَهَا أَنْ لاَ تَبِيتَ هُنَالِكَ مِنْ أَنْ تَبِيتَ: وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.، وَلاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْ هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ لِبَيَانِهِمَا وَصِحَّتِهِمَا. وَلَمْ يَصِحَّ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَثَرٌ أَصْلاً. وَالْمَنْزِلُ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ: فَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُكْتَرَى أَوْ مُبَاحٌ فَقَدْ بَطَلَ الْعَقْدُ بِمَوْتِهِ، فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ سُكْنَاهُ إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَطِيبِ نَفْسِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ، فَقَدْ صَارَ لِلْغُرَمَاءِ أَوْ لِلْوَرَثَةِ أَوْ لِلْوَصِيَّةِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهَا مَالُ الْغُرَمَاءِ، وَالْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا لَهَا مِنْهُ مِقْدَارُ مِيرَاثِهَا إنْ كَانَتْ وَارِثَةً فَقَطْ، وَهَذَا برهان قَاطِعٌ لاَئِحٌ وَمَا عَدَا هَذَا فَظُلْمٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ، وَهَذَا مَكَانٌ كَثُرَ فِيهِ اخْتِلاَفُ النَّاسِ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِقَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: تَعْتَدُّ الْمَبْتُوتَةُ حَيْثُ شَاءَتْ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: تَعْتَدُّ الْمَبْتُوتَةُ حَيْثُ شَاءَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ الرُّبَيِّعُ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَتَى مُعَوِّذٌ، هُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَسَأَلَهُ أَتَنْتَقِلُ قَالَ: نَعَمْ تَنْتَقِلُ. قال أبو محمد: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا ; لأََنَّ الْمُخْتَلِعَةَ عِنْدَهُمْ طَلاَقُهَا بَائِنٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَأَمَّا نَحْنُ فَهِيَ عِنْدَنَا مُطَلَّقَةٌ طَلاَقًا رَجْعِيًّا لاَ تَخْرُجُ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ حَتَّى تَتِمَّ عِدَّتُهَا فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،. وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا لاَ سُكْنَى لَهُمَا، وَلاَ نَفَقَةَ، وَتَعْتَدَّانِ حَيْثُ شَاءَتَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس، وَعَطَاءٍ، قَالاَ جَمِيعًا: الْمَبْتُوتَةُ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا يَحُجَّانِ، وَيَعْتَمِرَانِ، وَيَنْتَقِلاَنِ، وَيَبِينَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: تَحُجُّ الْمَبْتُوتَةُ فِي عِدَّتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا قَيْسٌ، هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا حَجَّتْ بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ امْرَأَةِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي عِدَّتِهَا فِي الْفِتْنَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تُفْتِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالْخُرُوجِ فِي عِدَّتِهَا، وَخَرَجَتْ بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ حِينَ قُتِلَ عَنْهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى مَكَّةَ فِي عُمْرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَعْتَدُّ: وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيُّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَمْ يَقُلْ يَعْتَدِدْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ، تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَقَالَ سُفْيَانُ: قَالَهُ لَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ كَمَا أَخْبَرَنَا هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ عَطَاءً سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا حَيْثُ شَاءَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يُرَحِّلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ فِي عِدَّتِهِنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لاَ يَضُرُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيْنَ اعْتَدَّتْ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ الْحَسَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمَدِينِيُّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالاَ جَمِيعًا: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَخْرُجُ فِي عِدَّتِهَا حَيْثُ شَاءَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَيَحُجَّانِ فِي عِدَّتِهِمَا قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدَنِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ قَالَ: سَأَلْنَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ يَخْرُجُ بِهَا زَوْجُهَا إلَى بَلَدٍ فَيُتَوَفَّى الزَّوْجُ فَقَالَ: تَعْتَدُّ حَيْثُ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، أَوْ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِهَذَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّ امْرَأَةَ مُزَاحِمَ لَمَّا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا بِخَنَاصِرَةَ سَأَلْت عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَأَمْكُثُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتِي فَقَالَ لَهَا: بَلْ الْحَقِي بِقِرَارِك وَدَارِ أَبِيك فَاعْتَدِّي فِيهَا. . وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ وَلَهُ بِالْفُسْطَاطِ دَارٌ فَقَالَ: إنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَلْتَعْتَدَّ، وَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَى دَارِ زَوْجِهَا وَقَرَارِهِ بِالْفُسْطَاطِ فَتَعْتَدَّ فِيهَا فَلْتَرْجِعْ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَقَوْلٌ آخَرُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْمَبْتُوتَةِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ حُبْلَى فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا، وَيُنْفِقُ عَلَى الْحُبْلَى مِنْ أَجْلِ وَلَدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمَبْتُوتَةِ: لَهَا النَّفَقَةُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لاَ نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَمَرَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، ثُمَّ يُعْطِيَهَا أَجْرَ الرَّضَاعِ، ثُمَّ يُمَتِّعَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ: أَنَّ ابْنَ قُسَيْطٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: لاَ نَفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً فَلَهَا النَّفَقَةُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَيَقُولُ: هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ السُّنَّةُ، وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً، فَإِنْ قُضِيَ لَهَا بِالنَّفَقَةِ لِحَمْلِهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لاَ حَمْلَ بِهَا رَدَّتْ مَا أَخَذَتْ مِنْ النَّفَقَةِ وَبِإِيجَابِ النَّفَقَةِ لَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلاً وَبِإِيجَابِ السُّكْنَى بِكُلِّ حَالٍ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ وَالْحَامِلِ: لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ لَهَا السُّكْنَى، وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا، أَتَى قَوْمٌ فِي هَذَا بِآثَارٍ نَذْكُرُهَا، وَهُوَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ يَعْنِي انْتِقَالَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَسْرُوقٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي ثَلاَثًا فَأَبَتْ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِهَا قَالَ: لاَ تَدَعْهَا، قَالَ: أَبَتْ إِلاَّ بِالْخُرُوجِ، قَالَ: فَقَيِّدْهَا، قَالَ: إنَّ لَهَا إخْوَةً غَلِيظَةٌ رِقَابُهُمْ، قَالَ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِمْ بِالسُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لاَ تَنْتَقِلُ الْمَبْتُوتَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا حَتَّى يَخْلُوَ أَجَلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الْمَبْتُوتَةِ: أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمَبْتُوتَةِ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ قَالَ: فِي بَيْتِ زَوْجِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي بَيْتٍ مُكْتَرًى، قَالَ: تَعْتَدُّ فِيهِ، وَعَلَى زَوْجِهَا الْكِرَاءُ. وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ رَدَّ نِسْوَةً مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَاجَّاتٍ، أَوْ مُعْتَمِرَاتٍ تُوُفِّيَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا حُمَيْدٌ الأَعْرَجُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يُرْجِعَانِهِنَّ حَوَاجَّ أَوْ مُعْتَمِرَاتٍ مِنْ الْجُحْفَةِ، وَمِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ أُمِّهِ مُسَيْكَةَ: أَنَّ امْرَأَةً مُتَوَفَّى عَنْهَا زَارَتْ أَهْلَهَا فِي عِدَّتِهَا فَضَرَبَهَا الطَّلْقُ فَأَتَوْا عُثْمَانَ فَقَالَ: احْمِلُوهَا إلَى بَيْتِهَا وَهِيَ تُطْلِقُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا فَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ بِالنَّهَارِ فَتَتَحَدَّثُ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ عُمَرَ رَخَّصَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَهَا بَيَاضَ يَوْمِهَا. وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يُرَخِّصْ لَهَا إِلاَّ فِي بَيَاضِ يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ نِسَاءٌ مِنْ هَمْدَانَ نُعِيَ إلَيْهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَقُلْنَ: إنَّا نَسْتَوْحِشُ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَجْتَمِعْنَ بِالنَّهَارِ ثُمَّ تَرْجِعُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ إلَى بَيْتِهَا بِاللَّيْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ امْرَأَةً بَعَثَتْ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: إنَّ أَبِي مَرِيضٌ، وَأَنَا فِي عِدَّةٍ أَفَآتِيهِ أُمَرِّضُهُ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ بِيتِي أَحَدَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ فِي بَيْتِك. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا إِلاَّ أَنْ يَنْتَوِيَ أَهْلُهَا فَتَنْتَوِي مَعَهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أرنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: أَتَخْرُجُ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ: كَانَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَشَدَّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: لاَ تَخْرُجُ، وَكَانَ الشَّيْخُ يَعْنِي: عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: يُرَحِّلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، كِلاَهُمَا قَالَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لاَ تَخْرُجُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالُوا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لاَ تَخْرُجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ:، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لاَ بَأْسَ بِأَنْ تَخْرُجَ بِالنَّهَارِ، وَلاَ تَبِيتَ عَنْ بَيْتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي بَيْتٍ بِأُجْرَةٍ قَالَ: إنْ أَحْسَنَ أَنْ يُعْطَى الْكِرَاءَ، وَتَعْتَدَّ فِي الْبَيْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ. إنَّمَا أَوْرَدْنَا كَلاَمَ إبْرَاهِيمَ لِقَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ، وَفِي الْكِرَاءِ، وَإِلَّا فَإِنَّ قَوْلَهُ إنَّ لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ فِي أَمْرِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، قَالَ: فَنَحْنُ عَلَى أَنْ تَظَلَّ يَوْمَهَا أَجْمَعَ حَتَّى اللَّيْلَ فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إنْ شَاءَتْ وَتَنْقَلِبَ.وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بُكَيْرًا، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَةَ هَبَّارِ بْنِ الأَسْوَدِ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَأَرَادَتْ الْحَجَّ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا، فَسَأَلَتْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَنَهَاهَا، ثُمَّ أَمَرَهَا غَيْرُهُ بِالْحَجِّ، فَخَرَجَتْ فَلَمَّا كَانَتْ بِالْبَيْدَاءِ صُرِعَتْ فَانْكَسَرَتْ. قال أبو محمد: مِنْ الْعَجَبِ احْتِجَاجُ أَهْلِ الْجَهْلِ بِهَذَا عَلَى أَنَّهَا عُقُوبَةٌ، وَتَاللَّهِ لَوْ جَرَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ أَوْ غَيْرُهَا عَلَى مَا ظَنُّوا لَكَانَ بِذَلِكَ عَسْكَرُ مُسْرِفِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُوقِعُونَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الْحَرَّةِ، الْمُحَارِبُونَ لِمَكَّةَ وَقَدْ اُمْتُحِنَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رحمه الله بِأَشَدَّ مِنْ مِحْنَةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَالْمِحَنُ لِلْمُسْلِمِ أَجْرٌ وَتَكْفِيرٌ، وَقَدْ يُمْهِلُ اللَّهُ تَعَالَى الْكُفَّارَ وَالْفُسَّاقَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَنْتَوِي مَعَ أَهْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ خَوْفٍ فَإِنَّهَا لاَ تُقِيمُ فِيهِ. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الَّذِي يَبْتَدِئُ فَيَمُوتُ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَسْكَنٍ تَسْكُنُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَنَقَلَهَا أَهْلُهَا، ثُمَّ سَأَلُوا فَكُلُّهُمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ تُرَدَّ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَرَدَدْنَاهَا فِي نَمَطٍ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّ لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ: كَمَا أَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ أَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا يَعْقُوبُ هُوَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالاَ: عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ زَادَ حَفْصٌ: مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَجْعَلاَنِ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا، قَالَ: لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ. وبه إلى سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حُمَيْدٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ السُّدِّيَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا قَالَ: لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلُ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: إنْ كَانَتْ وَارِثَةً فَمِنْ نَصِيبِهَا حَامِلاً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً فَمِنْ نَصِيبِ ذِي بَطْنِهَا إنْ كَانَ وَارِثًا فَإِنْ لَمْ يَكُونَا وَارِثَيْنِ فَمِنْ مَالِهَا نَفْسِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ وَإِلَّا فَهِيَ أَحَدُ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ مَاتَ ذُو بَطْنِهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا رَدَّتْ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهِ إلَى الْوَرَثَةِ. وَتَفْسِيرُ قَوْلِنَا: إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا، أَنْ تَكُونَ أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ كَافِرٌ فَيَكُونُ هُوَ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ أُمِّهِ، وَلاَ يَرِثُ كَافِرًا مُسْلِمٌ وَهَذَا قَوْلُنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً فَمِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: وَارِثَةً كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهَا مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ وَمِنْ سُؤَالِهَا إنْ كَانَ لاَ مَالَ لَهَا، لاَ مِنْ مِيرَاثِهَا، وَلاَ مِنْ مِيرَاثِ ذِي بَطْنِهَا، وَلاَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي ذَكْوَانَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ: نَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ نَصِيبِهَا يُنْفَقُ عَلَى الْحَامِلِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَالَ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ زِيَادًا الأَعْلَمَ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَالَ: نَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: نَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَبَلَغَهَا الْخَبَرُ، وَقَدْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ قَالَ: يُحْسَبُ مَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ مِنْ يَوْمِ مَاتَ فَجُعِلَ مِنْ نَصِيبِهَا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِمْ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: لَوْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ نَصِيبِهَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ ذِي بَطْنِهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا أُمِرَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: انْقَسَمَ الْقَائِلُونَ بِهِ أَقْسَامًا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ وَرِثَتْ فَمِنْ نَصِيبِ ذِي بَطْنِهَا وَإِنْ لَمْ تَرِثْ فَمِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نَفَقَةُ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَامِلاً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَهِيَ حَامِلٌ: إنْ وَلَدَتْهُ حَيًّا فَنَفَقَتُهَا مِنْ نَصِيبِهِ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، قَالَ يُونُسُ: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَقُولُ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَانَ ذَلِكَ رَأْيَهُ حَتَّى وَلِيَ تَرِكَةَ ابْنِ أَخٍ لَهُ مَاتَ وَتَرَكَ أُمَّ وَلَدِهِ حَامِلاً، فَكَرِهَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا بِرَأْيِهِ، فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ فَقَالَ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى مَنْ نَفَقَتُهَا فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَى نَفَقَتَهَا حَامِلاً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ الَّذِي تَرَكَ زَوْجُهَا فَأَبَى الأَئِمَّةُ ذَلِكَ وَقَضَوْا أَنْ لاَ نَفَقَةَ لَهَا. قال أبو محمد: التَّهْوِيلُ بِخِلاَفِ الأَئِمَّةِ هَاهُنَا كَلاَمٌ فَارِغٌ، لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الأَئِمَّةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ: أَحَدٌ يَعْدِلُ ابْنَ عُمَرَ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَعْنِ الأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورِينَ، إنَّمَا عَنَى مَنْ بَعْدَهُمْ الَّذِينَ أَبَوْا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ غُنْدَرٌ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: نَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ كَانَا يَقُولاَنِ: النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِلْحَامِلِ. أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى نُبْتُمْ مَا نُبْتُمْ. وبه إلى الْخُشَنِيِّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَتْنِي أُمُّ دَاوُد الْوَابِشِيَّةِ قَالَتْ: تُوُفِّيَ زَوْجِي وَأَنَا حُبْلَى فِي ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَخَاصَمَنِي أَهْلُهُ إلَى شُرَيْحٍ فَعَرَضَ لِي خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، وَقَالَ: هَذِهِ لَك حَتَّى تَلِدِي، فَإِذَا وَلَدْت فَإِنْ أَمْسَكْتِهِ فَلَكَ مِثْلُهَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أُمِّ دَاوُد الْمَذْكُورَةِ، وَزَادَ: حَتَّى تَعْظُمِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: يُنْفَقُ عَلَى الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْمُغِيرَةِ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَخِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو، قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ: إنَّ نَفَقَتَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا سَيَّارٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلِ، قَالَ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَهِيَ حَامِلٌ: إنَّ نَفَقَتَهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَهُوَ قَوْلُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وقال مالك: لاَ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا، وَلاَ مِنْ نَصِيبِ ذِي بَطْنِهَا، وَلاَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ يَنْتَصِفُ الْغُرَمَاءُ مِنْ دُيُونِهِمْ حَتَّى تَضَعَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إنْ كَانَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْحَامِلُ زَوْجَةً فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ فَنَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى تَضَعَ. وَقَالَ اللَّيْثُ يُنْفَقُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ الْحَامِلِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، فَإِنْ وَلَدَتْ جُعِلَ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ حِصَّةِ وَلَدِهَا، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِرَدِّ مَا أُعْطِيت. وقال أبو حنيفة: تَخْرُجُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا نَهَارًا وَتَرْجِعُ لَيْلاً إلَى مَنْزِلِهَا وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ فَلاَ تَخْرُجُ لاَ لَيْلاً، وَلاَ نَهَارًا. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُنَا فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَتَقْسِيمٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ كَذَلِكَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَقَوْلُ مَالِكٍ. وَأَظْهَرُهَا فَسَادًا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مَنْعِهِ الْغُرَمَاءَ. وَلاَ حَظَّ لِلْوَرَثَةِ إِلاَّ فِيمَا بَقِيَ لِلْغُرَمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْغُرَمَاءِ شَيْءٌ فَلاَ شَيْءَ لِلْوَرَثَةِ فَلأََيِّ مَعْنًى يُمْنَعُونَ حَقَّهُمْ الْوَاجِبَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ حَقٌّ مُتَيَقَّنٌ فِي الْمِيرَاثِ فَمَنْعُهُ مِمَّا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي حِصَّتِهِ ظُلْمٌ مُتَيَقَّنٌ، لاَ يُدْرَى مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ وَقَدْ أَكْثَرْنَا مُسَاءَلَتَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ مُتَعَلَّقًا، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: لاَ بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْمَوْتِ، وَعِدَّةِ الْوَرَثَةِ، وَمِنْ تَقْدِيمِ نَاظِرٍ عَلَى الْمَوْلُودِ . فَقُلْنَا لَهُمْ: هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ، بَلْ مِنْ ذَلِكَ أَلْفُ بُدٍّ: أَمَّا الدُّيُونُ فَلاَ مَعْنَى لأَِثْبَاتِ الْمَوْتِ أَصْلاً، بَلْ يُقْضَى لَهُمْ بِحُقُوقِهِمْ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا. وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَلاَ مَعْنَى لأَِثْبَاتِ عَدَدِهِمْ فِيمَا لاَ شَكَّ أَنَّهُ يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَأَمَّا مَا يَقَعُ لَهُ أَوْ لاَ يَقَعُ، لِكَثْرَةِ الْوَرَثَةِ، أَوْ لِقِلَّتِهِمْ، وَبِوِلاَدَةِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَهَذَا يُوقَفُ، وَلاَ بُدَّ حَتَّى يُتَيَقَّنَ كَيْفَ يَكُونُ حُكْمُهُ، وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا، أَوْ لِلْمَبْتُوتَةِ: فَخَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ ; لأََنَّ مَالَ الْمَيِّتِ لَيْسَ لَهُ، بَلْ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْفَقَ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْ مَالِ الْغُرَمَاءِ، أَوْ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ، أَوْ مِمَّا أَوْصَى بِهِ لِغَيْرِهِمْ وَهَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ وَالْمَبْتُوتَةُ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةً، فَهِيَ وَالأَجْنَبِيَّةُ سَوَاءٌ، فَأَخْذُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا لاَ يَجُوزُ. وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى شَغَبَ مَنْ أَوْجَبَ لِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ، أَوْ السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ، أَوْ خَصَّ الْحَامِلَ بِذَلِكَ وَنُبَيِّنُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَسَادَ كُلِّ ذَلِكَ وَبِهِ عَزَّ وَجَلَّ نَتَأَيَّدُ. أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا، وَلاَ سُكْنَى إِلاَّ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْ أَوَّلِ الآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: هَذِهِ اللَّفْظَةُ إِلاَّ أَنْ تَكُونِي حَامِلاً لَمْ تَأْتِ إِلاَّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ عَنْ فَاطِمَةَ غَيْرُ قَبِيصَةَ وَعِلَّةُ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَمْ يَسْمَعْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ مِنْ قَبِيصَةَ، وَلاَ مِنْ مَرْوَانَ فَلاَ نَدْرِي مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ وَلَوْ اتَّصَلَ لَسَارَعْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ، فَبَطَلَ هَذَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ لِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ ; لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ابْتَدَأَ قَوْلَهُ الصَّادِقَ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَسْخٌ، إِلاَّ بِيَقِينٍ لاَ بِالدَّعْوَى فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ. فَإِنْ قَالُوا: أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّجْعِيَّاتِ فَقَطْ. قلنا: صَدَقْتُمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا وَبُرْهَانُنَا عَلَى ذَلِكَ: خَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَأَوْجَبْنَا النَّفَقَةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ طَلاَقًا رَجْعِيًّا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ ; لأََنَّهَا زَوْجَتُهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ بِلاَ خِلاَفٍ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّ لِلزَّوْجَاتِ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ بِنَصٍّ قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي ذِكْرِنَا " حُكْمَ النَّفَقَاتِ ". وَأَخَذْنَا حُكْمَ إرْضَاعِ الْمَبْتُوتَةِ، وَالْمُنْفَسِخَةِ النِّكَاحِ، وَاَلَّتِي يَلْحَقُ وَلَدُهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ مِنْ قوله تعالى: وَأَمَّا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّمَا هُمْ: عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا ; لأََنَّ الثَّابِتَ عَنْهُمَا أَنَّ لِلْمَبْتُوتَةِ النَّفَقَةَ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ: أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِمَا فِي مَوْضِعٍ، وَلاَ يَرَوْنَهُمَا حُجَّةً فِي آخَرَ. وَابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَنَفَرٌ مِنْهُمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً، وَلَمْ يَذْكُرُوا السُّكْنَى وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: السُّكْنَى دُونَ النَّفَقَةِ. فأما ابْنُ عُمَرَ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ: أَنَّ نَفَقَةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُمْ يُخَالِفُونَهُ، وَمِنْ الْبَاطِلِ: أَنْ يَكُونَ حُجَّةً حَيْثُ اشْتَهُوا، غَيْرَ حُجَّةٍ حَيْثُ لاَ يَشْتَهُونَ. وَأَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ خَالَفُوهَا فِي إخْرَاجِهَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ: أَنْ تَكُونَ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ، وَغَيْرَ حُجَّةٍ فِي آخَرَ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهَا لاَ نَفَقَةَ لَهَا. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ سَاقِطَةٌ ; لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ: لاَ نَفَقَةَ لَهَا. وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ إيجَابُ السُّكْنَى لِلْمَبْتُوتَةِ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ، وَلاَ عَنْ عَائِشَةَ، وَلاَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَحَصَلَ قَوْلُهُمْ عَارِيًّا مِنْ الْبُرْهَانِ: مِنْ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ قَوْلِ أَحَدِ الصَّحَابَةِ، إِلاَّ ابْنَ عُمَرَ وَحْدَهُ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ شَكَّ فِي بُطْلاَنِهِ وَسُقُوطِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَلَمْ يَبْقَ لَنَا إِلاَّ قَوْلُنَا، وَقَوْلُ مَنْ وَجَّبَ لِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةَ، فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِهِمْ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شَيْئًا يَشْغَبُونَ بِهِ إِلاَّ الأَعْتِرَاضَ فِي خَبَرِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَبَنَوْا أَنَّهُمْ إنْ سَقَطَ ذَلِكَ الْخَبَرُ كَانَتْ الآيَاتُ الْمَذْكُورَاتُ مَحْمُولاَتٍ عَلَى كُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَبْتُوتَةٍ، أَوْ غَيْرِ مَبْتُوتَةٍ. قال أبو محمد: فَاعْتَرَضُوا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ نَعْنِي انْتِقَالَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ: اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ الْمَرْأَةَ إلَى بَيْتِهَا فَقَالَ مَرْوَانُ: أَوَ مَا بَلَغَك شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ نَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا مُحَمَّدٌ أَنَا غُنْدَرٌ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ لاَ تَتَّقِي اللَّهَ تَعْنِي فِي قَوْلِهَا: لاَ سُكْنَى، وَلاَ نَفَقَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُرْوَةَ قَالَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ فَقَالَتْ: أَمَا إنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَبَرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبِي عَنْ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَحْسَبُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: إنَّمَا أَخْرَجَك هَذَا تَعْنِي اللِّسَانَ. قال أبو محمد: أَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَسَاقِطٌ، لاَ وَجْهَ لِلأَشْتِغَالِ بِهِ ; لأََنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي إسْنَادِهِ كَمَا أَوْرَدْنَا ثُمَّ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا لَمْ يَسْمَعْ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَطُّ، فَلاَ يَرُدُّ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا إِلاَّ مُظْلِمُ الْجَهْلِ، أَوْ رَقِيقُ الدِّينِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ كِلَيْهِمَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَابَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ، وَقَالَتْ: إنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ، فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا، فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ جِدًّا: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْخَبَرَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلِمَ أَنَّهُمَا مُتَكَاذِبَانِ ; لأََنَّهَا إنْ كَانَ إخْرَاجُهَا مِنْ أَجْلِ لِسَانِهَا، كَمَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ فَقَدْ بَطَلَ هَذَا الَّذِي فِيهِ " أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . إذْ لاَ شَكَّ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ تُؤْذِيهِمْ بِلِسَانِهَا فَلَيْسَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ، أَوْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَان وَحْشٍ يُخَافُ عَلَيْهَا فِيهِ، فَلاَ شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ قَوْمٌ تُؤْذِيهِمْ بِلِسَانِهَا فَتُخْرَجُ لِذَلِكَ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ فَضِيحَةَ الْكَاذِبِينَ. فَهَذَا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَكَرُوا: مَا نَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا مُطَّلِبُ أَنَا أَبُو صَالِحٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ، عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَقُولُ كَانَ أُسَامَةُ إذَا ذَكَرَتْ فَاطِمَةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي مِنْ انْتِقَالِهَا فِي عِدَّتِهَا رَمَاهَا بِمَا فِي يَدِهِ. قال أبو محمد: وَهَذَا سَاقِطٌ ; لأََنَّ رَاوِيَهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ إِلاَّ إنْكَارُ أُسَامَةَ لِذَلِكَ كَإِنْكَارِ عَائِشَةَ وَعُمَرَ رضي الله عنهما. وَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ فِي إبْطَالِ الأَحْتِجَاجِ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَقَصَّيْنَا كُلَّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ: مَا كُنَّا نَعْتَدُّ فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ. قال أبو محمد: هَذَا بَاطِلٌ لاَ شَكَّ ; لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَلَمْ يُولَدْ إبْرَاهِيمُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسِنِينَ، وَمَا أَخَذَ إبْرَاهِيمُ هَذَا إِلاَّ عَمَّنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ بِلاَ شَكٍّ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قَبِيحِ مُجَاهَرَةِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، وَهُمْ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لِمَا فِيهِ مَنْسُوبٌ إلَى عُمَرَ مِنْ أَنْ لاَ نَعْتَدَّ فِي دِينِنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ، وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ السُّنَنَ تُؤْخَذُ عَنْ الْمَرْأَةِ كَمَا تُؤْخَذُ عَنْ الرَّجُلِ. أَلاَ يَسْتَحْيِ مِنْ الأَحْتِجَاجِ بِهَذَا عَنْ عُمَرَ مَنْ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الرَّضَاعِ، وَالْوِلاَدَةِ، وَعُيُوبِ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ الْحُرَّةِ أَوْ الأَمَةِ فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ أَتَرَوْنَ كُلَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الدِّينِ. وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ جِهَارًا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ هُوَ الزُّبَيْرِيُّ أَنَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: كُنْت مَعَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى، وَلاَ نَفَقَةً، ثُمَّ أَخَذَ الأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ، فَقَالَ: وَيَلْكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا قَالَ عُمَرُ: لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لاَ نَدْرِي هَلْ حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ: لَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ أَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ هُوَ الزُّبَيْرِيُّ أَنَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: كُنْت فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مَعَ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ فَذَكَرَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَتَتْ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ: لاَ نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو الْجَوَابِ الأَحْوَصُ بْنُ جَوَابٍ أَنَا عَمَّارٌ، هُوَ ابْنُ زُرَيْقٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَحَصَبَهُ الأَسْوَدُ وَقَالَ: وَيْحَكَ لِمَ تُفْتِي بِمِثْلِ هَذَا قَالَ عُمَرُ لَهَا: إنْ جِئْت بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا لَمْ نَتْرُكْ كِتَابَ اللَّهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ: لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ، وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ. قلنا: هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ. فأما قَوْلُ عُمَرَ: مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لاَ نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَإِنَّ هَذَا يَجْمَعُ ثَلاَثَةَ مَعَانٍ: أَمَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ بِيَدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ عُمُومِ سُكْنَى الْمُطَلَّقَاتِ فَقَطْ. وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ بِعُمَرَ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ بَيِّنَةٌ لِلنَّاسِ، وَيَأْتِي بِهِ لِمَا فِي هَذَا مِنْ عَظِيمِ الْوَعِيدِ فِي الْقُرْآنِ. وَهَا هُنَا أَمْرٌ قَرِيبٌ جِدًّا نَحْنُ قَدْ صَرَّحْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عُمَرَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَتَمَهَا، وَلَمْ يَنُصَّهَا وَيُبَيِّنْهَا فَلْيُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخْبِرْ بِنَصِّهَا النَّاسَ، حَتَّى يَرَوْا مَنْ مِنَّا الَّذِي يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيُّنَا يُضِيفُ إلَى عُمَرَ مَا قَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلاَ نَقْنَعُ مِنْهُمْ إِلاَّ بِالْقَطْعِ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ مُدَّةَ الْعِدَّةِ. وَأَمَّا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ بَيَّنَهُ، إذْ أَتَى بِالآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ حُجَّةٌ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهِ ; لأََنَّ فِيهَا لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ فِي الطَّلاَقِ الرَّجْعِيِّ خَاصَّةً وَلَوْ ذُكِّرَ عُمَرُ بِذَلِكَ لَرَجَعَ كَمَا رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، إذْ مَنَعَ مِنْ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ حِينَ ذَكَّرَتْهُ امْرَأَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ حِينَ بَلَغَهَا قَوْلُ مَرْوَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُ " لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لاَ نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ " فَإِنَّ مَا أَمْكَنَ مِنْ النِّسْيَانِ عَلَى فَاطِمَةَ فَهُوَ مُمْكِنٌ عَلَى عُمَرَ بِلاَ شَكٍّ. وَأَقْرَبُ ذَلِكَ تَذْكِيرُ عَمَّارٍ لَهُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا جَمِيعًا بِالتَّيَمُّمِ مِنْ الْجَنَابَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ، فَلَمْ يَذْكُرْ عُمَرُ ذَلِكَ، وَثَبَتَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فِي كُتُبِنَا وَكَمَا نَسِيَ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَلَيْسَ جَوَازُ النِّسْيَانِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ رِوَايَةِ الْعَدْلِ الَّذِي قَدْ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى قَبُولَ رِوَايَتِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَى أُصُولِ خُصُومِنَا تَرْكُ خَبَرِ الْوَاحِدِ جُمْلَةً وَرَدُّ شَهَادَةِ كُلِّ شَاهِدٍ فِي الإِسْلاَمِ لِجَوَازِ النِّسْيَانِ فِي هَذَا. فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهُ عَصَبِيَّةً وَلَجَاجًا فِي الْبَاطِلِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ لَهَا " إنْ جِئْت بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا وَلَوْ لَزِمَ هَذَا فَاطِمَةَ لَلَزِمَ عُمَرَ فِي كُلِّ مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلَّ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ فَرْقَ. فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُمَوِّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَشْيَاءَ هُوَ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلاَفِهَا وَبُطْلاَنِهَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ: إنَّ عُمَرَ أُخْبِرَ بِقَوْلِهَا فَقَالَ: لَسْنَا بِتَارِكِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَعَلَّهَا أَوْهَمَتْ سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَهُمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. قلنا: هَذَا مُرْسَلٌ ; لأََنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسِنِينَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْمَعَهُ عليه السلام يَقُولُ لِلْمُطَلَّقَةِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، بَلْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ مَعَ حَدِيثِ فَاطِمَةَ، وَلاَ بُدَّ، فَيُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مِنْ الأَكْثَرِ، وَلاَ يَجُوزُ رَدُّ نَصٍّ ثَابِتٍ بَيِّنٍ إِلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ بَيِّنٍ، لاَ بِمُشْكَلاَتٍ لاَ تَصِحُّ وَبِمُجْمَلاَتٍ لاَ بَيَانَ فِيهَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى فَاطِمَةَ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ السَّاقِطَ لاَ يَرْضَاهُ الْمَالِكِيُّونَ، وَلاَ الشَّافِعِيُّونَ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ أَنَّ ابْنَ قُسَيْطٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ سِوَى ثَلاَثًا فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ; لِلْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ النَّفَقَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ السُّنَّةُ. قال أبو محمد: هَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ ; لأََنَّ ابْنَ سَمْعَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ أَسْقَطَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِأَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّمَا النَّفَقَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " عَلَى ذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَكُلُّ مَنْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، فَإِنَّمَا هُمْ عَلَى أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ حَامِلاً أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لَهَا أَصْلاً، إِلاَّ ابْنُ عُمَرَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلاَ شَكَّ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ عِنْدَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَهِيَ السُّنَّةُ " فَقَدْ قَالَهَا فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ. وَقَالَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ صَلَّيْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ: إنَّهَا مِنْ السُّنَّةِ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ. فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدِينُ بِتَصْحِيحِ قَوْلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " هِيَ السُّنَّةُ "، وَلاَ يُصَدِّقُ الْقَوْلَ الثَّابِتَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ السُّنَّةُ أَلاَ هَكَذَا فَلْيَكُنْ الْبَاطِلُ وَالضَّلاَلُ. وَذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَنَا زُهَيْرٌ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ بَرْقَانَ أَنَا مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ طَلُقَتْ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَتَنَتْ النَّاسَ، إنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً، فَوُضِعَتْ عَلَى يَدِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. قال أبو محمد: هَذَا مُرْسَلٌ لاَ نَدْرِي مَنْ أَخْبَرَ سَعِيدًا بِذَلِكَ فَهُوَ سَاقِطٌ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لَيْسَ لَهَا سُكْنَى، وَلاَ نَفَقَةٌ الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يُبْطِلُ هَذِهِ الظُّنُونَ الْكَاذِبَةَ كُلَّهَا، وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي فَاطِمَةَ وَحْدَهَا، بَلْ فِي كُلِّ مُطَلَّقَةٍ ثَلاَثًا. وَذَكَرُوا: مَا نَاهُ حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا مُطَّلِبَ أَنَا أَبُو صَالِحٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ. ثُمَّ قَالَ: فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ تُحَدِّثُ مِنْ خُرُوجِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَحِلَّ. قال أبو محمد: وَهَذَا سَاقِطٌ ; لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَلاَ نَدْرِي مَنْ هَؤُلاَءِ النَّاسُ، وَإِنَّمَا نَدْرِي أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَنَّ الْحُجَّةَ تَقُومُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَإِنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ مِنْ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُنْكَرَ حَقًّا. وَذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فَذَكَرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ هَذَا، فَقَالَ مَرْوَانُ: لَمْ يُسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثُ إِلاَّ مِنْ امْرَأَةٍ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا. قال أبو محمد: لَوْ أَنَّ مَرْوَانَ تَوَرَّعَ هَذَا الْوَرَعَ حَيْثُ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، بِلاَ تَأْوِيلٍ، وَلاَ تَمْوِيهٍ، فَأَخَذَ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدَ جَمِيعَ النَّاسَ وَأَهْلَ الإِسْلاَمِ عَلَيْهَا مِنْ الْقَوْلِ بِإِمَامَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ أَقْصَى أَعْمَالِ إفْرِيقِيَّةَ إلَى أَقْصَى خُرَاسَانَ حَاشَا أَهْلِ الْأُرْدُنِّ لَكَانَ أَوْلَى بِهِ وَأَنْجَى لَهُ فِي آخِرَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلاَفَ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فِيمَا ادَّعَى فِيهِ الْعِصْمَةَ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلاَثًا وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ قَالَ: فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ. قال أبو محمد: هَذَا كَمَا تَرَوْنَ فَتَأَمَّلُوا قَوْلَهُ فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ مِنْ كَلاَمِ فَاطِمَةَ ; لأََنَّ نَصَّهُ قَالَ: فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ فَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ كَلاَمِ عُرْوَةَ، وَلاَ يَخْلُو هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَسْمَعْهُ عُرْوَةُ مِنْ فَاطِمَةَ فَيَكُونُ مُرْسَلاً: وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَا خَبَّرَنَا بِهِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ قَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ أَنَا أَبِي أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَحَوَّلَ فَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ أَصْلَ الْخَبَرِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ، أَوْ يَكُونُ عُرْوَةُ سَمِعَهُ مِنْ فَاطِمَةَ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ أَيْضًا ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّمَا آمُرُك بِالتَّحَوُّلِ مِنْ أَجْلِ خَوْفِك أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْك وَإِذْ لَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام هَذَا فَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ يَخَافُ النَّارَ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا أَمَرَهَا بِالتَّحَوُّلِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ إخْبَارٌ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ صَحَّ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ سُكْنَى لَهَا، وَلاَ نَفَقَةَ: أَفَتَرَوْنَ النَّفَقَةَ سَقَطَتْ خَوْفَ الأَقْتِحَامِ عَلَيْهَا هَذَا كُلُّهُ خَدْشٌ فِي الصَّفَا. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام بَلْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلاَثًا لاَ سُكْنَى لَهَا، وَلاَ نَفَقَةَ يُغْنِي عَنْ هَذَا كُلِّهِ، وَعَنْ تَكَلُّفِ الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ إنْكَارُ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا، فَكَانَ مَاذَا فَقَدْ وَافَقَهَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَمَا الَّذِي جَعَلَ رَأْيَ عَائِشَةَ، وَعُمَرَ مِنْ رَأْيِ مَنْ ذَكَرْنَا فَكَيْفَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَنَحْنُ نُعْلِنُ وَنَهْتِفُ وَنَصْرُحُ: أَنَّ رَأْيَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لاَ نَأْخُذُ بِهِ إذَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفُهُ، وَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِرَأْيِهِمَا حِينَئِذٍ، وَلاَ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ كَتَمَاهَا، وَيُصَرِّحُوا هُمْ بِأَنْ يَقُولُوا: إنَّ رَأْيَ عُمَرَ، وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ مِمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَرَوْا حَالَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ كَانَ عَنْهُمْ هَذَا الأَنْقِيَادُ لأَُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، إذْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى قَوْلِهَا بِتَحْرِيمِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ، إذْ قَدْ نَسَبُوا إلَيْهَا مَا قَدْ بَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ أَنَّهَا تُولِجُ حِجَابَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي ضَرَبَهُ عَلَى نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ وُلُوجُهُ فَهَذِهِ هِيَ الْعَظِيمَةُ الَّتِي تَقْشَعِرُّ مِنْهَا جُلُودُ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي إبَاحَتِهَا لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ وَأَيْنَ كَانُوا مِنْ هَذِهِ الطَّاعَةِ لِعُمَرَ رضي الله عنه إذْ خَالَفُوهُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَجَعَلُوهُ يُفْتِي بِالصَّلاَةِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَمَا قَدْ جَمَعْنَاهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا قَدْ خَالَفُوهُمَا فِيهِ فِي كِتَابٍ أَفْرَدْنَاهُ لِذَلِكَ، إذَا تَأَمَّلَهُ الْمُتَأَمِّلُ رَآهُمْ كَأَنَّهُمْ مُغْرَمُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ فِيمَا وَافَقَ فِيهِ السُّنَّةَ، وَتَقْلِيدُهُ فِي رَأْيٍ وَهِمَ فِيهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَعُدَّ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ كَثُرَ كَلاَمُهُ بِالْبَاطِلِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَصَحَّ خَبَرُ فَاطِمَةَ كَالشَّمْسِ ; لأََنَّهَا مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْمُبَايِعَاتِ الْأُوَلِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زَكْوَانَ أَنَا أَبُو بَرِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَهِيَ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال أبو محمد: قَدْ شَهِدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّهِمْ بِالصِّدْقِ: قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَإِنَّ مَنْ أَوْجَبَ لَهَا السُّكْنَى احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ بِالْقَدُّومِ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ لَهَا أَهْلاً فَأَمَرَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ، فَلَمَّا أَدْبَرَتْ دَعَاهَا فَقَالَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ فُرَيْعَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْلاَجٍ حَتَّى إذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ وَهُوَ جَبَلٌ أَدْرَكَهُمْ فَقَتَلُوهُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ: أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ، وَأَنَّهُ تَرَكَهَا فِي مَسْكَنٍ لَيْسَ لَهُ، وَاسْتَأْذَنَتْهُ فِي الأَنْتِقَالِ فَأَذِنَ لَهَا، فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إذَا كَانَتْ بِبَابِ الْحُجْرَةِ أَمَرَ بِهَا فَرُدَّتْ، فَأَمَرَهَا أَنْ لاَ تَخْرُجَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ الْفُرَيْعَةِ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ قَالَتْ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فِي بَنِي خَدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ. وَفِيهِ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهَا: اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، قَالَ: فَاعْتَدَّتْ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ اُسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَاءَ نِسَاؤُهُمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ: إنَّا نَسْتَوْحِشُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِاللَّيْلِ فَنَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا حَتَّى إذَا أَصْبَحْنَا تَبَدَّدْنَا فِي بُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ حَتَّى إذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَؤُبْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إلَى بَيْتِهَا. قال أبو محمد: أَمَّا حَدِيثُ مُجَاهِدٍ فَمُنْقَطِعٌ لاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ فُرَيْعَةَ فَفِيهِ زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ لاَ تُعْرَفُ، وَلاَ رَوَى عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ عَلَى أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ لِغَرَابَتِهِ ; وَلأََنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ أَحَدٍ سِوَاهُ فَسُفْيَانُ يَقُولُ: سَعِيدٌ، وَمَالِكٌ، وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: سَعْدٌ، وَالزُّهْرِيُّ يَقُولُ: عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَبَطَلَ الأَحْتِجَاجُ بِهِ. إذْ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَا لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ، وَلاَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، مُخَالِفِينَ لَهُ ; لأََنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنْ كَانَ الْمَنْزِلُ لَيْسَ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ بِكِرَاءٍ فَهِيَ أَوْلَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ إِلاَّ إسْكَانًا، أَوْ كَانَ قَدْ تَمَّتْ فِيهِ مُدَّةُ الْكِرَاءِ: فَلِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ إخْرَاجُهَا مِنْهُ، وَلَوْ طَلَبَ مِنْهَا الْكِرَاءَ فَغَلَى عَلَيْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا أَنْ تُكْرِيَهُ، وَلاَ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَنْ يُكْرُوهُ لَهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ. وقال أبو حنيفة: لاَ سُكْنَى لَهَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ أَصْلاً، سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْزِلُ لَهُ أَوْ بِكِرَاءٍ فَقَدْ خَالَفُوا نَصَّ هَذَا الْخَبَرِ. وَمِنْ الْمُحَالِ احْتِجَاجُ قَوْمٍ بِخَبَرِهِمْ أَوَّلَ عَاصِينَ لَهُ. وَمَوَّهُوا فِيمَا صَحَّ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيَّ ذَكَرَ لَهُ نَقْلَهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ فَقَالَ أَيُّوبُ: إنَّمَا نَقَلَهَا مِنْ دَارِ الْإِمَارَةِ. وَقَالَ حَمَّادٌ: وَسَمِعْت جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ يُحَدِّثُ أَيُّوبَ بِحَدِيثِ عَطَاءٍ: أَنَّ عَائِشَةَ حَجَّتْ بِأُخْتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَيُّوبُ: إنَّمَا نَقَلَتْهَا إلَى بِلاَدِهَا. وبه إلى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُخْرِجُ الْمَرْأَةَ مِنْ بَيْتِهَا إذَا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا لاَ تَرَى بِهِ بَأْسًا وَأَبَى النَّاسُ إِلاَّ خِلاَفَهَا، فَلاَ نَأْخُذُ بِقَوْلِهَا وَنَدَعُ قَوْلَ النَّاسِ. قال أبو محمد: لاَ نَدْرِي مَنْ هَؤُلاَءِ النَّاسُ وَالشَّرْطُ نَاسٍ، وَلاَ حُجَّةَ فِي النَّاسِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى سَوَاءٍ إِلاَّ بِحَقٍّ. وَمَنْزِلُ الْمَيِّتِ إمَّا لِلْغُرَمَاءِ، وَأَمَّا لِلْوَرَثَةِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ لَيْسَ لأَمْرَأَتِهِ فِيهِ حَقٌّ إنْ كَانَتْ وَارِثَةً إِلاَّ مِقْدَارَ حِصَّتِهَا فَقَطْ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا إِلاَّ بِطِيبِ أَنْفُسِ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا كَلاَمُ أَيُّوبَ فَزَلَّةُ عَالِمٍ قَدْ حُذِّرَ مِنْهَا قَدِيمًا. وَأَمَّا تَمْوِيهُ الْمُحْتَجِّ بِهِ وَهُوَ يَدْرِي بُطْلاَنَهُ فَمُصِيبَةٌ، أَمَّا قَوْلُهُ " نَقَلَهَا عَنْ دَارِ الْإِمَارَةِ " فَوَا فَضِيحَتَاهُ وَهَلْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ قَطُّ دَارُ إمَارَةٍ مُدَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ. وَهَلْ سَكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ إِلاَّ فِي دَارِ نَفْسِهِ، لَكِنْ لَمَّا رَأَى أَيُّوبُ رحمه الله دَارَ الْإِمَارَةِ بِالْبَصْرَةِ ظَنَّ أَنَّهَا بِالْمَدِينَةِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَكَنَ فِي دَارِ الْإِمَارَةِ بِالْمَدِينَةِ، فَيَا لَلْعَجَبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " إنَّمَا نَقَلَتْهَا إلَى بِلاَدِهَا " فَهَذِهِ طَامَّةٌ أُخْرَى هُوَ يَسْمَعُ حَجَّتْ بِهَا فِي عِدَّتِهَا وَيَقُولُ " نَقَلَتْهَا إلَى بِلاَدِهَا " وَهِيَ الْمَدِينَةُ. وَهَلْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ ضِدُّ قَوْلِ أَيُّوبَ، وَأَنَّهَا إنَّمَا نَقَلَتْهَا عَنْ بِلاَدِهَا وَهِيَ الْمَدِينَةُ وَعَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ زَوْجُهَا طَلْحَةُ رضي الله عنه وَهُوَ الْبَصْرَةُ إلَى مَكَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا بَلَدًا، وَلَكِنْ مَنْ ذَا عُصِمَ مِنْ الْخَطَأِ مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تَكَفَّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِالْعِصْمَةِ. وَأَمَّا تَهْوِيلُهُمْ بِعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ، وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَزَيْدٍ: مُنْقَطِعَةٌ، وَنَحْنُ نَأْتِيهِمْ عَنْهُمْ بِمِثْلِهَا سَوَاءً سَوَاءً قَدْ أَوْرَدْنَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَرْخَصَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَنْ تَبْقَى عَنْ مَنْزِلِهَا بَيَاضَ يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنْ تَبْقَى عَنْ مَنْزِلِهَا أَحَدَ طَرَفَيْ اللَّيْلِ، فَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّرَفِ الْوَاحِدِ، وَالطَّرَفِ الثَّانِي. وَأَمَّا عُمَرُ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَكَانَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَمَاتَ أَبُوهَا، فَسُئِلَ لَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَرَخَّصَ لَهَا أَنْ تَبِيتَ اللَّيْلَةَ وَاللَّيْلَتَيْنِ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ فَمَرَّةً عُمَرُ حُجَّةٌ، وَمَرَّةً لَيْسَ بِحُجَّةٍ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: نَفَقَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَقَوْلُ سَالِمٍ ابْنِهِ: كُنَّا نُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ حَتَّى نُبْتُمْ مَا نُبْتُمْ. فَتَرَكُوا هَذَا كُلَّهُ، وَتَرَكُوا: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَأُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ حَيْثُ أَحَبُّوا، وَشَنَّعُوا بِخِلاَفِهِمْ، وَإِنْ خَالَفَ مَا جَاءَ عَنْهُمْ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ حَيْثُ أَحَبُّوا. وَوَاللَّهِ قَسَمًا بَرًّا مَا اتَّبَعَ الْحَاضِرُونَ مِنْهُمْ قَطُّ عُمَرَ، وَلاَ عُثْمَانَ، وَلاَ ابْنَ عُمَرَ، وَلاَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلاَ عَائِشَةَ وَمَا اتَّبَعُوا إِلاَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَالشَّافِعِيَّ، ثُمَّ لاَ مَئُونَةَ عَلَيْهِمْ فِي إنْكَارِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَيَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالنَّاسُ مِنْهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَعُوذُ مِنْ مِثْلِ هَذَا، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. الآمِدِيّ وَالأَمَةُ الْمُعْتَدَّةُ لاَ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
وَلاَ عِدَّةَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. برهان ذَلِكَ: أَنَّهَا لَيْسَتْ مُطَلَّقَةً، وَلاَ مُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِ عِدَّةٍ عَلَيْهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي سِوَاهُمَا.
وَلاَ عِدَّةَ عَلَى أُمِّ وَلَدٍ إنْ أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا، وَلاَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا، أَوْ عِتْقِهِ لَهَا ; لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلَهُمَا أَنْ يُنْكَحَا مَتَى شَاءَتَا ; لأََنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهِمَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا إِلاَّ أَنَّهَا إنْ خَافَتْ حَمْلاً تَرَبَّصَتْ حَتَّى تُوقِنَ بِأَنَّ بِهَا حَمْلاً، أَوْ أَنَّهَا لاَ حَمْلَ بِهَا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا: فَقَوْلٌ أَوَّلٌ: كَمَا أَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ أَنَا سَعِيدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لاَ تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: فِي الْمُعْتَقَةِ عَنْ دُبُرٍ إذَا كَانَ سَيِّدُهَا يَطَؤُهَا وَإِنْ لَمْ تَلِدْ فَعِدَّتُهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ. وبه إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالزُّهْرِيَّ، قَالاَ جَمِيعًا: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً يَطَؤُهَا وَلَمْ تَلِدْ لَهُ فَمَاتَ فَتُسْتَبْرَأُ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عَنْ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا قَالَ: تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وبه إلى حُمَيْدٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وبه إلى حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا قَيْسٌ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا قَالَ: تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وبه إلى حَمَّادٍ أَنَا دَاوُد، هُوَ ابْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا عِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حُمَامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا فَقَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَخِلاَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو عِيَاضٍ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ: أَنَّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ كُتِبَ إلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدٍ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَيُعَزِّرَهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ ثَانِي يَجْعَلُ عِدَّتَهَا فِي الْعِتْقِ وَالْوَفَاةِ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: عِدَّةُ السُّرِّيَّةِ ثَلاَثُ حِيَضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، قَالاَ جَمِيعًا فِي أُمِّ الْوَلَدِ: عِدَّتُهَا إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا ثَلاَثَةُ قُرُوءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ سُرِّيَّةً وَهِيَ حُبْلَى قَالَ: تَعْتَدُّ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَهِيَ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ وَقَالَهُ أَيْضًا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: الأَمَةُ يُصِيبُهَا سَيِّدُهَا فَلَمْ تَلِدْ لَهُ فَأَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: عِدَّةُ السُّرِّيَّةِ إذَا أُعْتِقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا ثَلاَثُ حِيَضٍ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَاسْتُحِبَّ لَهَا الْإِحْدَادُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أرنا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ: فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ ثَلاَثَ حِيَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهَا فَحَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَعْتَدُّ حَيْضَةً وَاحِدَةً يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي قِلاَبَةَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ أَنْ ابْنَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَرَّقَ بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَائِهِمْ وَكُنَّ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدٍ فَتَزَوَّجْنَ بَعْدَ حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَقَالَ الْقَاسِمُ: عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا حَيْضَةٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قال أبو محمد: لَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِمَا رُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ هِيَ السُّنَّةُ: إنَّ هَذَا إسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ: لاَ تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَوْلَى بِمَعْرِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلَى أَنْ يُصَدَّقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ وَهُمْ قَدْ قَاسُوا الْعَقْدَ الْفَاسِدَ الْمَفْسُوخَ الَّذِي لاَ يَحِلُّ عِنْدَهُمْ إقْرَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ الثَّابِتِ الصَّحِيحِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ فِيهِمَا، وَلَمْ يَقِيسُوا أُمَّ الْوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى الزَّوْجَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِ الْحَنَفِيِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إِلاَّ عَلَى الزَّوْجَةِ وَلَمْ يَحْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْعِدَّةَ بِالأَقْرَاءِ، وَبِالشُّهُورِ، إِلاَّ عَلَى مُطَلَّقَةٍ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ. قال أبو محمد: لَوْ صَحَّ خَبَرُ عَمْرٍو مُسْنَدًا لَسَارَعْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ وَفِيهِ أَيْضًا مَطَرٌ وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا إذْ عَوَّضَ مِنْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ بِلاَ برهان. قال أبو محمد: لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ عِدَّةً إِلاَّ عَلَى زَوْجَةٍ مُتَوَفَّى عَنْهَا، أَوْ مُطَلَّقَةٍ، أَوْ مُخَيَّرَةٍ إذَا أُعْتِقَتْ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَ زَوْجِهَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَقِيَاسُ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً عَلَى زَوْجَةٍ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَعِدَّةُ الأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ مِنْ الطَّلاَقِ وَالْوَفَاةِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ سَوَاءً سَوَاءً، وَلاَ فَرْقَ، لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَنَا الْعِدَدَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: قال أبو محمد: وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إذْ أَبَاحَ لَنَا زَوَاجَ الْإِمَاءِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِنَّ الْعِدَدُ الْمَذْكُورَاتُ فَمَا فَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ حُرَّةٍ، وَلاَ أَمَةٍ فِي ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الأَسْتِدْرَاكِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْقَوْلِ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ، وَمِنْ أَنْ نُشَرِّعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلْهَا شَهْرًا وَنِصْفًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَعَلَ لَهَا عُمَرُ حَيْضَتَيْنِ يَعْنِي الأَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ، وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ الأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَشَهْرَيْنِ وَقَالَ: فَشَهْرًا وَنِصْفًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَكُونُ عَلَيْهَا نِصْفُ الْعَذَابِ، وَلاَ يَكُونُ لَهَا نِصْفُ الرُّخْصَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْحُرُّ يُطَلِّقُ الأَمَةَ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَتَعْتَدُّ حَيْضَتَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ، وَعِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عِدَّةِ الأَمَةِ قَالَ: حَيْضَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَحِيضُ فَشَهْرٌ وَنِصْفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نَافِعًا، وَابْنَ قُسَيْطٍ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ: عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَتَادَةَ، وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ حَمَّادٌ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ دَاوُد: عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: عِدَّةُ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ: قَالَ الْقَاسِمُ: مَعَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ نَعْلَمُهُ سُنَّةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ قَدْ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ عَلَى هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي عِدَّةِ الأَمَةِ صَغِيرَةً أَوْ قَاعِدًا. قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُمَا قَالاَ جَمِيعًا: الأَمَةُ إذَا طَلُقَتْ وَهِيَ لاَ تَحِيضُ تَعْتَدُّ شَهْرًا وَنِصْفًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: عِدَّةُ الأَمَةِ الَّتِي طَلُقَتْ إنْ شَاءَتْ شَهْرًا وَنِصْفًا، وَإِنْ شَاءَتْ شَهْرَيْنِ، وَإِنْ شَاءَتْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: عِدَّةُ الأَمَةِ شَهْرَانِ لِكُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قِيلَ لَهُ: إنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ يَقُولُ عَنْ عَطَاءٍ فِي عِدَّةِ الأَمَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً، فَقَالَ عَمْرٌو: أَشْهَدُ عَلَى عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: عِدَّتُهَا شَهْرَانِ إذَا كَانَتْ لاَ تَحِيضُ. وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ: عِدَّةُ الأَمَةِ الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَقَالُوا كُلُّهُمْ: عِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ إِلاَّ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: طُهْرَانِ، فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ خُرُوجُهَا مِنْ الْعِدَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْبَصْرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عِدَّةُ الأَمَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: عِدَّةُ الأَمَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: خَاصَمْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَمَةٍ لَمْ تَحِضْ فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ فِي الأَمَةِ حَاضَتْ أَوْ لَمْ تَحِضْ أَوْ قَعَدَتْ: يُنْتَظَرُ بِهَا ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ لاَ نَعْلَمُ بَرَاءَتَهَا إِلاَّ بَرَاءَةَ الْحُرَّةِ هَاهُنَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ شِهَابٍ، وَبُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ عِدَّةَ الأَمَةِ الَّتِي يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ وَاَلَّتِي لَمْ تَبْلُغْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قال أبو محمد: وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَابْنِ قُسَيْطٍ مِنْ طُرُقٍ سَاقِطَةٍ عِدَّةُ الأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَا أَرَى عِدَّةَ الأَمَةِ إِلاَّ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَضَتْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ، فَالسُّنَّةُ أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ. وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنَّ قَوْلَ مَكْحُولٍ إنَّ عِدَّةَ الأَمَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنَّ عِدَّتَهَا حَيْضَتَانِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد هُوَ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: طَلاَقُ الأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ. وَبِمَا نَاهُ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي غَسَّانَ أَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ أَنَا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيَّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: طَلاَقُ الأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ. قال أبو محمد: مَا تَعَلَّقُوا مِنْ الآثَارِ إِلاَّ بِهَذَا وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ لاَ يَسُوغُ لِلْمَالِكِيَّيْنِ، وَلاَ لِلشَّافِعِيَّيْنِ الأَحْتِجَاجُ بِهِمَا ; لأََنَّهُمَا مُبْطِلاَنِ لِمَذْهَبِهِمَا ; لأََنَّ الطَّلاَقَ عِنْدَهُمَا لِلرِّجَالِ، وَالأَقْرَاءُ: الأَطْهَارُ، فَإِنْ صَحَّحُوهُمَا لَزِمَهُمَا تَرْكُ مَذْهَبِهِمَا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَبْطَلُوهُمَا فَقَدْ كَفَوْنَا مُؤْنَتَهُمْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِهِمَا وَهُمَا سَاقِطَانِ لأََنَّ أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَظَاهِرَ ابْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالسُّقُوطِ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ مِنْ أُصُولِهِمْ أَنَّ الرَّاوِيَ إذَا خَالَفَ خَبَرًا رَوَاهُ أَوْ ذُكِرَ لَهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ: احْتَجُّوا بِذَلِكَ: فِي خَبَرِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ. وَفِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا. ثُمَّ يَتَعَلَّقُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ السَّاقِطِ الَّذِي لاَ خَيْرَ فِيهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الْحُكْمَ بِأَنَّ عِدَّةِ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ لَمْ يَأْتِ بِهِ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيَرُدُّونَ الأَخْبَارَ بِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ: كَمَا فَعَلُوا فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ السَّاقِطَيْنِ وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا فِي الْقُرْآنِ حَقًّا، فَاعْجَبُوا لِعَظِيمِ تَنَاقُضِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ. وَالْخَبَرُ الثَّانِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ شَبِيبٍ الْمُسْلِيِّ، وَعَطِيَّةَ وَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِمَا فَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِهِمَا وَلَوْ صَحَّا لَمَا سَبَقُونَا إلَى الْقَوْلِ بِهِمَا وَقَالُوا: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ. قال أبو محمد: وَهَذَا أَيْضًا لاَ يُمَكِّنُ الْمَالِكِيِّينَ، وَلاَ الشَّافِعِيِّينَ الأَحْتِجَاجَ بِهَذَا ; لأََنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، ; لأََنَّ الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالْمَأْثُورُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عِدَّةَ الأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِينَ، وَإِذَا جَازَ عِنْدَهُمْ أَنْ يُخْطِئَ الصَّحَابَةُ فِي مَئِيَّةِ الأَقْرَاءِ مِنْ الأَمَةِ فَلاَ نُنْكِرُ عَلَى مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فِي كَمِيَّةِ عِدَّتِهَا. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَزَيْدٍ، فَقَطْ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عُمَرَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ، وَلاَ حُجَّةَ فِي رَأْيٍ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَزَيْدٍ: التَّحْذِيرُ مِنْ الرَّأْيِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي رَأْيِ أَحَدٍ، وَعُمَرُ يَقُولُ: لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً وَنِصْفًا لَفَعَلْت. وَمَا نَدْرِي كَيْفَ هَذَا وَأَيُّ امْتِنَاعٍ فِي أَنْ يَقُولَ: إذَا رَأَتْ جُمْهُورَ الْحَيْضَةِ وَفَوْرَهَا قَدْ أَخَذَ فِي الأَنْحِطَاطِ فَقَدْ حَلَّتْ ; لأََنَّهُ بِلاَ شَكٍّ قَدْ مَضَى نِصْفُ الْحَيْضَةِ. وَقَدْ قلنا: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا خَلاَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي كِتَابِنَا هَذَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا قَالُوهُ مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ بِآرَائِهِمْ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، بَلْ كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا: كَقَوْلِهِمْ فِيمَا يَحِلُّ بِهِ وَطْءُ الْحَائِضِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ. وَكَقَوْلِهِمْ فِي صِفَةِ الْإِحْدَادِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا وَقَدْ قلنا: لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ الْقُرْآنِ وَالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَدُّ الأَمَةِ نِصْفَ حَدِّ الْحُرَّةِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ عِدَّتُهَا نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ. قال أبو محمد: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ أَفْسَدَ قِيَاسٍ وَأَشَدَّ بُطْلاَنًا لِمَا نُبَيِّنُهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْعَجَبُ فِيمَا رُوِيَ وَلَمْ يَصِحَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيَجْعَلُونَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ، وَلاَ يَجْعَلُونَ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ وَإِنَّ هَذَا لَبَعِيدٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ فَكَيْفَ عَنْ مِثْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه لأََنَّهُ يُقَالُ لِقَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ وَمُصَوِّبِهِ: مَا نَحْنُ جَعَلْنَا عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ، وَلاَ نَحْنُ نَجْعَلُ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ، بَلْ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ حَيْثُ شَاءَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. ثُمَّ هَبْكَ لَوْ جَعَلْنَا نَحْنُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْعَذَابِ وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَنَا أَنْ نَجْعَلَهُ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَجْعَلَ لَهَا نِصْفَ الرُّخْصَةِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ. وَأَمَّا فَسَادُ هَذَا الْقِيَاسِ فَإِنَّ قِيَاسَ هَذِهِ الْعِدَّةِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ لاَ شَبَهَ بَيْنَ الزِّنَى الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَبَيْنَ مَوْتِ الزَّوْجِ وَطَلاَقِهِ، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ إِلاَّ عَلَى شَبَهٍ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فَصَحَّ عَلَى أُصُولِهِمْ بُطْلاَنُ هَذَا الْقِيَاسِ، فَكَيْفَ عِنْدَ مَنْ لاَ يُجِيزُ الْقِيَاسَ أَصْلاً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ فَسَادٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِيَاسَ عَلَى نِصْفِ الْحَدِّ فِي الأَمَةِ وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ حَدَّ الأَمَةِ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ كَحَدِّ الْحُرَّةِ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تُقَاسَ الْعِدَّةُ عِنْدَهُمْ عَلَى حَدِّ الزِّنَى دُونَ أَنْ يَقِيسُوهُ عَلَى السَّرِقَةِ ثُمَّ هَلَّا قَاسُوا عِدَّةَ الأَمَةِ مِنْ الطَّلاَقِ وَالْوَفَاةِ بِالأَقْرَاءِ وَبِالشُّهُورِ عَلَى مَا لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَنَّ عِدَّتَهَا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ حَامِلاً كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ، فَلَئِنْ صَحَّ الْقِيَاسُ يَوْمًا فَإِنَّ قِيَاسَ الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالطَّلاَقِ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ وَالطَّلاَقِ لاَ شَكَّ عِنْدَ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى فَهْمٍ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْعِدَّةِ عَلَى حَدِّ الزِّنَى فَلاَحَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ فِي ذَلِكَ، كَظُهُورِ الشَّمْسِ يَوْمَ صَحْوٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ قِيَاسِ مَالِكٍ عِدَّةَ الأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ عَلَى عِدَّتِهَا عِنْدَهُ بِالأَقْرَاءِ، ثُمَّ لَمْ يَقِسْ عِدَّةَ الأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلاَقِ عَلَى عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ مِنْ الْوَفَاةِ، بَلْ جَعَلَ عِدَّةَ الأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلاَقِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَلاَ فَرْقَ وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ، وَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ، لاَ تَخْفَى عَلَى ذِي حَظٍّ مِنْ فَهْمٍ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا عِدَّةَ الأَمَةِ مِنْ الْوَفَاةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ شَقَّ الْأُنْمُلَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ عِدَّةَ الأَمَةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلاَقِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالشُّهُورِ مِنْ الطَّلاَقِ، وَجَعَلَ مَالِكٌ عِدَّةَ الأَمَةِ مِنْ الطَّلاَقِ بِالشُّهُورِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ مِنْ الطَّلاَقِ بِالشُّهُورِ سَوَاءً سَوَاءً. ثُمَّ جَعَلُوا ثَلاَثَتُهُمْ عِدَّةَ الأَمَةِ بِالأَقْرَاءِ ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالأَقْرَاءِ، فَهَلْ فِي التَّلاَعُبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا مَرَّةً نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَمَرَّةً مِثْلَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَمَرَّةً ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ كُلُّ هَذَا بِلاَ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ يُعْقَلُ. وَكُلُّ هَذَا قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ، وَقَبْلُ وَبَعْدُ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَاسُوا قَوْلَهُمْ فِي عِدَّتِهَا بِالأَقْرَاءِ ثُلُثَيْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا عَلَى تَوْفِيقِهِ إيَّانَا لِلْحَقِّ وَتَيْسِيرِهِ لِلصَّوَابِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُمْ إذْ قَاسُوا عِدَّةَ الأَمَةِ عَلَى حَدِّهَا أَنْ لاَ يُوجِبُوا عَلَيْهَا إِلاَّ نِصْفَ الطَّهَارَةِ، وَنِصْفَ الصَّلاَةِ، وَنِصْفَ الصِّيَامِ: قِيَاسًا عَلَى حَدِّهَا، وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَتَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ غَيْرُ الْحَامِلِ، وَالْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ حِينِ يَأْتِيهَا خَبَرُ الطَّلاَقِ، وَخَبَرُ الْوَفَاةِ، وَتَعْتَدُّ الْحَامِلُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ فَقَطْ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَمَّا الْحَامِلُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ، ثُمَّ اتَّفَقَ يُونُسُ، وَأَيُّوبُ كِلاَهُمَا عَنْ الْحَسَنِ فِي الطَّلاَقِ وَالْمَوْتِ: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا مِنْ زَوْجِهَا الْخَبَرُ. زَادَ أَيُّوبُ فِي رِوَايَتِهِ: وَلَهَا النَّفَقَةُ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَهُ قَتَادَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ يَوْمِ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، قَالُوا كُلُّهُمْ فِي امْرَأَةٍ جَاءَهَا طَلاَقٌ أَوْ مَوْتٌ قَالُوا: تَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، وَالثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ قَالَ أَبُو خَالِدٍ عَنْ دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ، قَالُوا كُلُّهُمْ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ أَوْ يَمُوتُ: إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَتَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهَا بَيِّنَةٌ فَمِنْ يَوْمِ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: مَا أَكَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهِيَ لاَ تَدْرِي بِمَوْتِهِ فَهُوَ لَهَا مَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا إِلاَّ قَدْرَ مِيرَاثِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: لاَ يَتَوَارَثَانِ، وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا قَالَهُ قَتَادَةُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. قال أبو محمد: لَمْ يُدْرِكْ قَتَادَةُ عَلِيًّا، وَلاَ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلاَ وَجَدْنَا ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: إنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَبْلُغْهَا طَلاَقُهُ بِالثَّلاَثِ، وَلاَ تَرُدُّ مَا أَكَلَتْ فِي الطَّلاَقِ ; لأََنَّهَا زَوْجَتُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهَا أَوْ يَأْتِيهَا الْخَبَرُ. وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَبِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَتَرُدُّ مَا أَكَلَتْ ; لأََنَّهَا أَكَلَتْ مَالَ الْوَرَثَةِ أَوْ مَالَ الْغُرَمَاءِ، وَلاَ حَقَّ لَهَا عِنْدَهُمْ إنَّمَا حَقُّهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ، فَمَا دَامَ الْمَالُ مَالَهُ فَحَقُّهَا فِيهِ بَاقٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بَعْدَ الطَّلاَقِ، أَوْ تَنَازَعَ أَحَدُهُمَا مَعَ وَرَثَةِ الآخَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ وَرَثَتِهِمَا جَمِيعًا بَعْدَ مَوْتِهِمَا، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا، أَوْ يَمِينِ الْبَاقِي مِنْهُمَا، أَوْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا، أَوْ أَيْمَانِ وَرَثَتِهِمَا مَعًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ السِّلاَحُ، وَالْحُلِيُّ، وَمَا لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلرِّجَالِ، أَوْ إِلاَّ لِلنِّسَاءِ، أَوْ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِلاَّ مَا عَلَى ظَهْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَوْلٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ: الْبَيْتُ بَيْتُ الْمَرْأَةِ، إِلاَّ مَا عُرِفَ لِلرَّجُلِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لِلْمَرْأَةِ مَا أُغْلِقَ عَلَيْهَا بَابُهَا إذَا مَاتَ زَوْجُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ لِلرَّجُلِ إِلاَّ سِلاَحُهُ وَثِيَابُ جِلْدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَمَّا مَا أَحْدَثَ الرَّجُلُ مِنْ مَتَاعٍ فَهُوَ لَهُ إذَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَقَدْ أَحْدَثَتْ فِي بَيْتِهِ أَشْيَاءَ فَقَالَ الْحَسَنُ: لَهَا مَا أَغْلَقَتْ عَلَيْهِ بَابَهَا، إِلاَّ سِلاَحَ الرَّجُلِ وَمُصْحَفَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: غَيْرَ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ صَدَاقٍ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَدَاقٍ فَهُوَ مِيرَاثٌ. وَقَالَ ثَالِثٌ كُلُّ شَيْءٍ لِلرَّجُلِ إِلاَّ مَا عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الثِّيَابِ أَوْ الدِّرْعِ، وَالْخِمَارِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَوْلٌ رَابِعٌ كَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ أَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ هُوَ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُغِيثٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ إذَا مَاتَ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مَتَاعَ الْبَيْتِ أَجْمَعَ قَالَ: إنْ كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرَّجُلِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ. وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا كَانَ مِمَّا يَكُونُ لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فُرْقَةً وَلَيْسَ مَوْتًا فَهُوَ لِلرَّجُلِ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ شُبْرُمَةَ عَنْ تَدَاعِي الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ: مَتَاعُ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ، وَمَتَاعُ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعٍ يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَسَأَلْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَزَادَ: فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْ سَمِعَ ابْنَ ذَكْوَانَ الْمَدَنِيَّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيَّ يَقُولاَنِ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَأَحَدُ قَوْلَيْ زُفَرَ وَأَوْجَبُوا الأَيْمَانَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالاَ جَمِيعًا: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَمَا كَانَ مِمَّا يَكُونُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْفُرْقَةُ وَالْمَوْتُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ: أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ أَشْوَعَ يَقُولاَنِ: مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ، وَمَا كَانَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَبِهَذَا يَقُولُ هُشَيْمٌ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ قَالَ: ثِيَابُ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ، وَثِيَابُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ، وَمَا تَشَاجَرَا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا، وَلاَ لِهَذَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ. وقال أبو حنيفة: إنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَمْلُوكًا وَالآخَرُ حُرًّا، فَالْمَالُ كُلُّهُ لِمَنْ كَانَ مِنْهُمَا حُرًّا مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ كَالْحُرِّ فِي حُكْمِهِ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: فَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ، أَوْ مُكَاتَبَيْنِ، أَوْ مَأْذُونَيْنِ لَهُمَا فِي التِّجَارَةِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالآخَرُ مُكَاتَبًا، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مُسْلِمَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا، فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْمَرْأَةِ بِمِثْلِ مَا تُجَهَّزُ بِهِ إلَى زَوْجِهَا، فَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلرِّجَالِ، أَوْ لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ لِلنِّسَاءِ، أَوْ يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: فَكُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ. وقال أبو حنيفة فِي كُلِّ هَؤُلاَءِ: مَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا هَذَا فِي الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ، وَمَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ لِلرِّجَالِ مَعَ يَمِينِهِ فِي الْفُرْقَةِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَوَافَقَهُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلاَّ فِي الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلرَّجُلِ، أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ أَيْمَانِهِمْ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ كَمَا قلنا نَحْنُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْقَاضِي، وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمَا، وَأَحَدُ قَوْلَيْ: زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيَّ. قال أبو محمد احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ مَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا صَلُحَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ. بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ أَنَا أَبُو نُوحٍ الْمَدَنِيُّ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَنَا الْحَضْرَمِيُّ رَجُلٌ قَدْ سَمَّاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَاعُ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ، وَمَتَاعُ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ. قال أبو محمد: هَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَرْوِيَهُ إِلاَّ عَلَى بَيَانِ وَضْعِهِ: سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَأَبُو نُوحٍ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ وَالْحَضْرَمِيُّ مِثْلُ ذَلِكَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ غَيْرَ حُجَّةٍ لَهُمْ ; لأََنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَتَاعًا الَّذِي بِيَدِهِ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: إنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ، وَلاَ قَالَ فِيهِ: مَا صَلُحَ لِلرِّجَالِ، وَلاَ مَا صَلُحَ لِلنِّسَاءِ وَإِنَّمَا فِيهِ: مَتَاعُ النِّسَاءِ، وَمَتَاعُ الرِّجَالِ، وَالْمَتَاعُ: هُوَ مَتَاعُ الْمَرْءِ الَّذِي فِي مِلْكِهِ سَوَاءٌ صَلُحَ لَهُ أَوْ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ اخْتِلاَفَ الزَّوْجَيْنِ، فَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يَخُصَّ هَذَا الْبَابَ دُونَ اخْتِلاَفِ الأَخِ وَالْأُخْتِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ الْمَكْذُوبِ. قال أبو محمد: وَلاَ يَخْتَلِفُ الْمُخَالِفُونَ لَنَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ فِي أَخٍ وَأُخْتٍ سَاكِنَيْنِ فِي بَيْتٍ، فَتَدَاعَيَا مَا فِيهِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ مَعَ أَيْمَانِهِمَا، وَلَمْ يَحْكُمُوا فِي ذَلِكَ بِمَا حَكَمُوا بِهِ فِي الزَّوْجَيْنِ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي عَطَّارٍ، وَدَبَّاغٍ، أَوْ بَزَّارٍ، سَاكِنِينَ فِي بَيْتٍ: فِي أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْبَيْتِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا وَلَمْ يَحْكُمُوا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عِطْرٍ فَلِلْعَطَّارِ، وَمَا كَانَ مِنْ آلَةِ الدَّبَّاغِ فَلِلدَّبَّاغِ، وَمَا كَانَ مِنْ آلَةِ الْبَزِّ فَلِلْبَزَّازِ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ، وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ، وَأَنَّهُ ظَنٌّ كَاذِبٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: أَنَّ يَدَ الرَّجُلِ، وَيَدَ الْمَرْأَةِ عَلَى مَا فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنَانِهِ، أَوْ دَارِ سُكْنَاهُمَا أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ، فَهُوَ لَهُمَا إذْ هُوَ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا. وَلاَ نُنْكِرُ مِلْكَ الْمَرْأَةِ لِلسِّلاَحِ، وَلاَ مِلْكَ الرَّجُلِ لِلْحُلِيِّ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|